حوار| مستشار وزير الصحة السابق: وضع الدواء في مصر أسوأ بكثير من سوريا والعراق
"تعويم الجنيه" جاء بالخراب على منظومة الدواء.. ولابد من قرار سيادي لإنقاذها
"تسعيرة الدواء" الثانية غير عادلة.. والمفترض أن تكون الزيادة الأولية 30% على 25% من الأدوية المحلية
مع تصاعد أزمة الدواء وزيادة أسعارها مرتين خلال 6 أشهر، وتراكم فواتير العلاج على المواطن، وعدم توافر "نواقص الأدوية"، وقع الملايين لقمة سائغة في أيدي أصحاب الشركات والصيادلة؛ حيث أرجع الدكتور عبد الناصر سنجاب، عميد كلية صيدلة عين شمس ومستشار وزير الصحة السابق لشئون الصيدليات، الأمر إلى سلسلة القرارات "العشوائية" والمتخبطة في منظومة الصحة، ما زاد من الاحتقان في الشارع المصري.
وخلال حواره لـ"التحرير"، أعلن سنجاب رفضه "تسعيرة الدواء" الثانية، وطالب بـ"ثورة" في منظومة الدواء بمصر، مشددًا على أن إهمال وزارة الصحة للملف على مدار العقود الماضية، أدى إلى تردي وضع الدواء في مصر، وصارت أسوأ كثيرًا من الحال في سوريا والعراق وليبيا، حتى أصبحت تستورد كل ما يتعلق بصناعة الدواء من الخارج، وطالب بتعيين نائبًا للوزير لشئون الصيدلة، وسرعة ضم هيئة الرقابة الدوائية والشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات "فاكسيرا" والإدارة المركزية لشئون الصيدلة في كيان واحد تحت مسمى "الهيئة العليا للدواء"، وغيرها من القضايا التي نتناولها عبر الحوار التالي:-
كيف رأيت تصعيد الصيادلة الأخير وتهديدهم بإغلاق الصيدليات رفضًا لـ"تسعيرة الدواء"؟
الصيادلة أخطأوا بشدة حين أعلنوا التصعيد في اجتماعهم الأخير (الجمعية العمومية الطارئة التي عقدتها نقابة الصيادلة مؤخرًا)، حيث قرروا تعليق العمل لمدة 6 ساعات ابتداءً من 15 يناير المقبل، رغم أننا سبق أن وصلنا لحل وسط في يونيو الماضي بتحديد هامش الربح بنسبة 25%، واقترحت عندما كنت أتولى رئاسة اللجنة الاستشارية العليا للصيدلة والدواء تعديل البنود الخاصة بالقرار الوزاري رقم 499 لسنة 2012، وكان الخلاف القائم بين الصيادلة وشركات الأدوية على نسبة الربح، حيث تُصر الشركات على ألا يزيد هامش الربح عن 20%، في حين كانت نقابة الصيادلة تتمسك بزيادة 22.5%، والزيادة الجديدة تذهب للمصانع وليس الشركات لتنتج أكثر، خاصة بعد زيادة سعر صرف الدولار من 120 إلى 130% خلال الآونة الأخيرة.
وأطالب بتعيين نائبًا لوزير الصحة لشئون الصيادلة، وهذا المنصب عُرض عليّ ورفضته وقت أن كنت في الوزارة خلال شهر يوليو الماضي.
وما الحل من وجهة نظرك للخروج من ذلك؟
الحل يكمن في تدخل الدولة لتوفير وشراء المواد الخام للشركات، ثم تحاسبها عليها بعد ذلك، خاصة وأن عددًا منها يخزن شحنات طائلة من الأدوية دون الإفراج عنها أو بيعها وتوزيعها على الصيدليات؛ للضغط على الحكومة حتى يزداد السعر أضعاف ما كان عليه، وبعض الأصناف الدوائية حين زاد سعرها في المرة الأولى في مايو الماضي بنسبة 20%، كانت توجد أصنافًا أخرى لا توزع منذ أكثر من عامين، وبعد الزيادة بأسبوع كانت في السوق المحلي بالسعر الجديد.
هل لدينا صناعة دواء حقيقية في مصر؟
إطلاقًا فنحن نستورد كل مستلزمات إنتاج الدواء من الخارج، ونجمعها في مصر، بداية من المواد الخام، مرورا بالماكينات وحتى المواد الخاصة بالتعبئة والتغليف، التي تستورد أيضًا منذ أكثر من 30 عامًا، وعلى الدولة أن تعيد دعم المصانع والشركات لإعادة إحياء الصناعة المصرية، وهذا النظام لم يفكر منذ عام 1980 في أن يكون له بصمة قوية في صناعة الدواء، وبالتالي فإن الحل يكمن في قرار سيادي عاجل لإنقاذ تلك الصناعة الحيوية التي تمس الأمن القومي.
كما لدينا أزمة كبيرة في تسجيل الدواء في مصر، حيث يستغرق وقتًا طويلًا جدًان في حين أن الأردن لا تستغرق الإجراءات فيها أكثر من شهر لذلك، فضلا عن ضرورة تقليص حجم البدائل الدوائية في السوق لنفس الصنف، بمعنى أن يوجد هناك أكثر من صنف يعالج نفس المرض.
تم الاتفاق بين وزير الصحة وغرفة صناعة الدواء والشركات على زيادة "تسعيرة الدواء" للمرة الثانية.. هل هذه الزيادة عادلة؟
هذه الزيادة غير معقولة، وكان ينبغي أن يتم تحريك أسعار الدواء بنسب لا تزيد عن 30% على نحو 25% من منتجات كل شركة كل 3 أشهر، وليس تحريك (زيادة أسعار) كافة الأصناف الدوائية تحريكًا جماعيًا بما يمثل عبئًا ماديا كبيرًا على المواطنين.
كما أن الشركات الأجنبية لا تتأثر بتحرير سعر صرف الدولار لأنها تتعامل بالدولار، والسؤال هنا: هل نزل سعر الدولار أمام اليورو مثلا حتى تطلب الزيادة 100% كما حدث، فقط هي الشركات المحلية المتضرر الأكبر من "تعويم الجنيه"؛ لأنها كانت تستورد الدواء بـ 8.88 جنيه مصري، ولكن سعره اليوم بالبنوك المصرية اقترب من 20 جنيهًا، و"تعويم الجنيه" جاء بالخراب على الدواء، وبالتالي فلابد من أن تدعمهم الدولة، ومن الممكن أن تستثمر في الدواء وتشتري وتبيع به مثل تجارة السلاح، ويدعم الشركات القابضة مثل ما نضع الملايين والمليارات في إنشاء كوبري أو مدينة سكنية أو عاصمة إدارية.
هل السوق المحلي يشجع رجال الأعمال على الاستثمار في الدواء؟
الأزمة الجارية طاحنة، وإحنا مش عارفين نستثمر في أي شيء، والسوق المصري ميت والوضع هنا أصعب بكثير من ليبيا والعراق، وأنا كنت في الأردن ولبنان منذ شهر مضى والوضع هناك أفضل بكثير منّا، ولا توجد عند دول عربية أخرى أزمات في الدواء مثل مصر، رغم كل ما تمر به من حروب أهلية واشتباكات، ولكن هناك سوء إدارة في مصر، فالدول الكبيرة لا تبني المدن الجديدة إلا في حالة الرخاء، ونحن لسنا في حاجة إليها في الوقت الحالي، وصار حالنا كمقاول يبني عقارا سكنيًا ولا يوجد طعام لديه، الأهم الآن أن نسد احتياجات المواطنين.
من يحكم مسألة الرقابة على أسعار الدواء؟
النهاردة كل السلع والمنتجات زادت أسعارها بصورة مبالغ فيها، وكل يوم بتسعيرة جديدة، والتفتيش الصيدلي مش هيلاحق على ذلك، في ظل تزايد منافذ التهريب وانتشار الأدوية المغشوشة.
هل تأثرت الشركات الأجنبية بـ"تعويم الجنيه" حتى يضمها الوزير في الزيادة الثانية ؟
بالعكس الشركات الأجنبية "اللي عماله بتولول دي" غير متأثرة بشيء لأن قيمة المادة الخام لم تزد، ويتم استيرادها من قبل الشركة الأم من الخارج بالدولار، الذي لم ينخفض سعره أمام اليورو، وبالتالي فإنها توزع على الشركات والفروع التابعة لها بالدولار وليس الجنيه المصري.
في المقابل، تُمارس ضغوط شديدة على مصر لزيادة الأسعار، حتى بدأت تلك الشركات الأجنبية تهدد بإغلاق أبوابها وتصفية أنشطتها في السوق المصري، حتى شركات الخليج وبعض الدول العربية، أما بخصوص الشركات المحلية فإن خسارتها اليوم أصبحت مضاعفة.
ما الذي تحتاجه مصانع الدواء لإنقاذ الصناعة المصرية؟
هذه المصانع أمامها سنة واحدة، فقط بشرط أن تكون بها إدارة وطنية، لإعادة هيكلة تلك المصانع المصرية وتغيير مجالس إدارتها وإعادة تدريبهم وفتح المجال أمام البعثات من جديد، والاستفادة من الخبرات الأجنبية حتى نحقق الاكتفاء الذاتي من الدواء ونصدره إلى العراق وليبيا والسودان والصومال واليمن، وتلك فرصة لن تتكرر لمصر بعد ذلك.
لماذا الإصرار على عدم اتخاذ قرار سياسي بشأن ذلك إذن؟
هناك عوامل عديدة تعرقل ذلك، بداية من أصحاب المصالح وعدم الرؤيا وعدم الإهتمام الكافي من قبل وزارة الصحة بقضية الدواء الذي لا يوجد له أب شرعي في مصر، منذ منتصف السبعينات خلال حقبة الرئيس السابق أنور السادات الذي عرض نظامه مصانع القطاع العام وشركات قطاع الأعمال للخصخصة إثر موجة الانفتاح الاقتصادي التي أصابت مصر في تلك الفترة وساهمت في انهيار وتحلل صناعة الدواء في مصر .
تقصد ضرورة إنشاء هيئة عليا للغذاء والدواء؟
بالعكس "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم"، الكلام ده غلط جدا، إحنا عندنا جهات عديدة تتكفل بذلك عبر إدارة الصيدلة و"فاكسيرا" وهيئة الرقابة الدوائية ولابد من إعادة "غربلتهم" من جديد، وهي للأسف مجرد هياكل ومكاتب إدارية قائمة تماما كما كان الحال لحظة انهيار الإتحاد السوفيتي في السبعينات، ومن ثم لابد من فتح حساب جاري في البنوك بأسمائها لضخ الأموال بها؛ لإحداث ثورة داخل تلك المؤسسات .
ومن ثم فإننا نمتلك بالفعل هيئة للدواء مكونة من هيئة الرقابة والبحوث الدوائية والإدارة المركزية للصيدلة بوزارة الصحة والشركة القابضة للمصل واللقاح "فاكسيرا"، وينبغى ضمهم جميعًا فى هيئة وكيان واحد يتبع مجلس الوزراء ويشرف علية وزير الصحة بصورة مباشرة .
المصدر أخبار | التحرير الإخبـاري

ليست هناك تعليقات