عودة التدوين من جديد
بدأ عصر الكتابة الحرة والتعبير عن الرأي مع بداية انتشار المنتديات العربية في أوائل هذا القرن الحالي، فلقد كان التطور في الأدوات البرمجية سبباً في أن جعل من إنشاء منتدى جديد أمراً سهلاً ويسيراً على غير المتخصصين في البرمجة والتصميم، فانتشرت حمى إطلاق المنتديات الجديدة وأصبح لكل مجال منتديات خاصة به ولكل عشيرة أو قبيلة منتدى خاص بهم.
مرت السنوات وبدأت شعبية تلك المنتديات تضمحل، من ضمن أسباب ذلك هو ظهور المدونات، تلك المواقع الصغيرة التي حررت الكتاب المحترفين من سطوة مدراء ومشرفي المنتديات، ولعل أحد الأسباب الواضحة التي أدت بالكُتاب ان يعزفوا عن الكتابة في المنتديات هو ماحدث من عملية شراء لعدد من المنتديات العربية الكبرى من قبل شركة مكتوب، ثم شراء شركة ياهو لموقع مكتوب مع ما تمتلكه من منتديات، وفي الأخير إغلاق تلك المنتديات التي تحتوي على كنوز معرفية ضخمة، وذهاب كل المحتوى أدراج الرياح.
أن تمتلك مدونتك الخاصة هذا يعني أنك تمتلك كل شبر فيها، قادر على التحكم في شكلها ومحتوياتها، هي بمثابة الوليد الصغير الذي تربيه باهتمام وترعاه باستمرار، انت تجدد الإستضافة كل سنة كي تضمن استمرار بقائها على قيد الحياة واستمرار وصول الزوار إليها واستفادتهم من خيراتها، لن يتم استغلال كلماتك ومشاركاتك في زرع الإعلانات في كل شبر أو بيعه وشراءه وتنقله بين ممتلكات الشركات الكبرى، لذلك فقد شهدنا ظهور الكثير من المدونات في الفترة بين 2005 و 2010، تنوعت أشكالها وتخصصاتها وكان لها أثر كبير في إثراء المحتوى العربي على شبكة الإنترنت.
خفوت شمس التدوين
بعد سنة 2010 تقريباً، أصبحت الشبكات الإجتماعية تنتشر أكثر وأكثر في العالم العربي، أصبح تويتر حديث الساعة في السعودية مثلاً، وأصبح الفيسبوك الموضة السائدة في مصر، كانت تلك الشبكات الاجتماعية الحل الأفضل للتعبير عن الرأي عوضاً عن المنتديات التي لم تحترم المستخدم العربي ولم تحترم جهوده في الكتابة فيها (ليست كلها طبعاً، هنالك نماذج مميزة وتستحق الإحترام) لذلك فقد سحبت تلك الشبكات جزء كبير من البساط من تحت المنتديات، وأيضاً جزء من تحت بساط المدونات.
المشكلة التي عانا منها كثير من المدونين العرب في السنوات الماضية، هي أنه في الغالب كان يغرد في كوكب بعيد، كوكب منعزل عن الحياة وعن الناس، لا يوجد خطوط اتصال بينه وبين الكواكب الأخرى إلا عبر مركبات فضائية تضع رحالها في كوكبه وينزل بعض الزوار قليلاً ثم يرحلون، تلك المركبات هي محركات البحث التي كانت توصل بعض القراء إلى بعض تدوينات المدونة وخلال دقائق تعلن عن بدء رحلة العودة، فيعود الكوكب إلى وحدته وعزلته.
حتى منصات التدوين المختلفة مثل (blogger) و (wordpress) التي كانت تسهل على المستخدم إنشاء وإطلاق مدونات، رغم أنها تضع كل المدونات تحت مظلتها وفي رابط رئيسي واحد، إلا أن كل مدونة لها استقلاليتها الكاملة وكأنها تعيش في غرفة مغلقة الجوانب، لن تجد فيها أي نافذة كي تشاهد جيرانك من المدونات الأخرى أو تتواصل بهم أو تعقد صفقات التعاون والتشارك معهم.
أما في الشبكات الاجتماعية فكل شخص له صفحة مستقلة، لكن في نفس الوقت الجميع مترابط ومتصل ببعضه البعض، فأنت تكتب فيصل لمن يتابعك وهو يقرأ ويتفاعل ويشارك المنشور ليصل إلى أشخاص آخرين، أنت في الشبكات الإجتماعي تعيش في قصرك أو قلعتك بشكل مستقل لكن في نفس الوقت أنت تعيش في بيئة تشاركية داخل أسوار الشبكة الاجتماعية، أنت ترى محتويات قصر غيرك وهم يرونك وهنالك قنوات تواصل مفتوحة بينكم.
وهذا ما سمح لبعض الأشخاص ممن يكتبون منشورات جيده أو ينتجون فيديوهات مفيدة أن يحققوا عشرات ومئات الآلاف من المتابعين على شبكة الفيسبوك، لم يقوموا بعمل دعاية او تسويق مدفوع، كل مافي الأمر أنهم استمروا في كتابة المنشورات الجيدة وإنتاج المحتوى المميز حتى وصلت شهرتهم إلى مستوى مرتفع في مدة زمنية قصيرة، على عكس المدونات التي ربما ظل الكاتب يكتب بشكل متميز سنين وفي الأخير لا يصل إلى ربع شهرة صاحب الفيسبوك الذي ربما ينتج محتوى أقل جودة من محتواه.
منصات التدوين المشتركة
المشكلة في شبكات التواصل الاجتماعي هي ضعف الأرشفة، المحتوى القديم يضيع في غياهب قواعد البينات، دائماً الاهتمام ينصب على المحتوى الحديث، ماذا يحدث الآن وبالأمس القريب، حتى أنك لن تجد الكثير من نتائح صفحات شبكات التواصل في محركات البحث، سوف تجد صفحات من مواقع ومدونات في الغالب، لذلك فأنت عندما تكتب كتابات دسمه في الفيسبوك مثلاً، لا تأمل أن تظل تحصد الزوار بعد أشهر أو بعد سنين، على عكس الكتابة في المنتديات والمدونات، فالعم قوقل يتكفل بإيصال كل من يريد الإستفادة إلى صفحات مدونتك.
إذا لدينا ثلاثة طرق للكتابة وكل طريقة لديها مشكلة:
- المنتديات: مشكلة عدم الثقة وعدم إستقلالية الكاتب.
- المدونات: مشكلة العزلة وعدم التفاعل والمشاركة.
- الشبكات الاجتماعية: مشكلة عدم الأرشفة.
تلك المشاكل ساهمت في ظهور نوع آخر من المنصات، منصات توفر البيئة المناسبة للتدوين، كل المقالات والتدوينات تكتب وتنشر داخل مكان واحد وبالتالي حلت مشكلة عزلة المدونات، أيضاً صفحات تلك المدونات تؤرشف بشكل جيد وتصل إليها محركات البحث بسهولة بل وأفضل بكثير من المدونات العادية، لأن جميع التدوينات تُنشر عبر إسم نطاق واحد (Domain name) هذا الإسم له ثقله ووزنه في عالم الويب لذلك فصفحاته تحتل ترتيب مرتفع في نتائج البحث.
الأمر الأخير الذي ميز هذه المنصات عن المنتديات العادية، أن هذه المنصات في الغالب تتبع جهات معروفة ولها إسمها وثقلها في عالم الويب، يمكن الوثوقف في تلك الجهات والإطمئنان أن تلك المدونات ستظل متاحة على شبكة الإنترنت، ليست كالمنتديات التي من الممكن ببساطة أن يقوم صاحب المنتدى بإغلاقه وحذف جميع صفحاته في لحظة نزوة، أو يمكن بيعه إلى جهة أخرى لا تحترم ملكية محتوياته وجهود كتابه، الميزة الأخرى هي أن هنالك شبه استقلالية لكل كاتب في تلك المنصات ليست استقلالية كاملة مثل المدونات بحيث تعزل المدونات في كواكب منفصلة، بل كل كاتب له مدونته التي هي عبارة عن صفحة فيها معلوماته وتجمع جميع تدويناته بحيث يمكن الوصول إليها بسهولة.
هنالك ميزة أخرى مهمة تقدمها تلك المنصات للمستخدم، ألا وهي إبراز المحتوى المميز، ففي مدونات الجزيرة على سبيل المثال يتم قياس نسبة التفاعل مع التدوينات خلال الساعات والأيام التي تعقب نشر التدوينة، وعندما يظهر أن هنالك الكثير من المشاركات لتلك التدوينة على شبكتي فيسبوك وتويتر، فإنها تظهر بعد ذلك في الشريط الجانبي، في جزء (يتصدر الآن) من أجل ابراز المحتوى الذي حصل على أكبر إقبال واستحسان من قبل القراء.
عودة التدوين من جديد
هو لم يذهب كي يعود، لكنه فتر قليلاً في السنوات الماضية، بسبب تلك المشاكل التي ذكرناها سابقاً وغيرها من الأسباب، لكن ظهور هذه المنصات المتخصصة في النشر والتي وفرت لأصحاب الأقلام الحرة والمبدعة بيئة مناسبة للكتابة، أدى إلى عودة (شهية التدوين) من جديد للكثير من المدونين والكتاب الذين هجروا مدوناتهم أو شغلتهم شبكات التواصل الإجتماعية عن الكتابة فيها. لذلك فنحن نشهد هذه الفترة زخماً في الكتابة في تلك المنصات الحديثة.
سنذكر هنا بعض منصات التدوين التي تفتح أبوابها أمام الكتاب المبدعين:
مجتمع عربي للكتابة والنشر، لتبادل الأفكار والمصادر بين المطورين الشباب وكذلك المستخدمين العرب في شتى المجالات، يتميز بتقسيماته الموضوعية حيث يسمى كل مجال (مجتمع) يمكنك الاشتراك في أي مجتمع ومتابعة جديده، يمكن كتابة المقالات والتدوينات أو حتى مشاركة المصادر المفيدة والنقاش حولها، كل مشترك له صفحة خاصة به تعرض جميع كتاباته ومشاركاته ويمكن التواصل به من خلالها.
منصة مخصصة للتدوين أطلقتها شبكة الجزيرة الإخبارية في الأشهر القريبة الماضية، يمكن لأي شخص أن يسجل فيها كمدون وبعد الموافقة سوف يتمكن من نشر التدوينات الكاملة بما لا يزيد عن ألف كلمة، أو نشر التدوينات المرئية وكذلك المصغرة، تظهر آخر التدوينات في الصفحة الرئيسية كما يتم احتساب تميز كل تدوينة عبر عدد المشاركات ومن ثم اختيار التدوينات الأكثر تميزاً كل يوم.
نقتبس تعريف وهدف هذه المنصة من الموقع نفسه: “الهدف الأساس لهذا المشروع هو إنشاء منصة إلكترونية تشجع الشباب على التدوين، وتساهم بالتالي في توسيع رقعة التدوين الإلكتروني في العالم العربي، بما يسمح للمدونين إيصال أفكارهم وإهتماماتهم وتطلعاتهم وأصواتهم إلى صناع القرار والمجتمع الدولي والتأثير فيهم”.
هي النسخة العربية من الموقع الأصلي الأجنبية الذي تأسس في 2005، موقع أخباري يحتوي على جزء مهم هو المدونات، هذه النسخة العربية أسسها الإعلامي وضاح خنفر في 2015 مدير قناة الجزيرة سابقاً، لقد اجتذبت خلال الشهور الماضية العديد من الكتاب المميزين وأصبح الموقع يضم العديد من المدونات، يمكن للكتاب التواصل بهم من أجل فتح مدوناتهم في الموقع.
هي منصة للنشر المفتوح أنشأها مؤسس شبكة تويتر في 2012، يمكن الكتابة فيها باللغة الإنجليزية أو العربية، هي نموذج لما يسمى بالصحافة المجتمعية، تتميز بتقديم أدوات احترافية للكتابة والتفاعل مع النص وبعض خصائص الشبكات الاجتماعية مثل المتابعة والإعجاب، ويمكن الوصول إلى المحتوى المميز الذي يتم قياسه بحسب تفاعل القراء معه واستحسانهم له.
هذه بعض المواقع أيضاً:
الخلاصة:
من الجيد أن نرى مثل هذه المبادرات القادمة عبر جهات معروفة ولها وزنها في عالم الويب، فهي تشجع التدوين العربي وتطمئن أصحاب الأقلام الذهبية أن جهدهم لن يذهب سدى، وأن المحتوى سيعامل بشكل لائق، وهذا بدوره يساهم في زيادة العطاء في مجال إثراء المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، كي تصبح المعلومة متاحة بشكل مبسط والرأي والفكرة مطروحة وقابلة للنقاش والنقد وكي نخطو خطوة إلى الأمام في مسيرة نهضتنا.
التدوينة عودة التدوين من جديد ظهرت أولاً على عالم التقنية.
المصدر عالم التقنية
ليست هناك تعليقات