حوار.. ناجح إبراهيم: لسه المصالحة ممكنة
- الدولة لا تستطيع إعدام الإخوان ولا مفر من المصالحة
- المصالحة غائبة لحرص القوى السياسية على مصالحها الخاصة
السياسات الخاطئة للدولة والجماعة سبب رئيسي في انتشار الإرهاب
- مبارك تعامل مع الجماعات كلٌ على حدة.. والنظام الحالي وضعهم في "سلة واحدة"
وجه الحادث الإرهابي الذي استهدف كنيسة "البطرسية " وخلف العشرات من الضحايا، خلال الأيام الماضية، العديد من الرسائل، وتعد الرسالة الكبرى التي ترتبت على الحادث هي خطورة انتشار الأفكار المتطرفة، والتي باتت خطرًا يهدد الشعوب والأوطان، فضلًا عن أن مصر وعقب ثورة الثلاثين من يونيو تعرضت للكثير من العمليات الإرهابية التي استهدفت أبناء الوطن الواحد.
"التحرير" حاورت الدكتور ناجح إبراهيم، أحد القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية، وذلك للوقوف من خلال تجربته الطويلة في صفوف الجماعة والتى تبنت العنف ضد الدولة خلال السنوات الماضية، على كيفية مواجهة أفكار الجماعات المسلحة والعمل على الحد من اعتناق الشباب داخل السجون للأفكار العدائية للدولة.
الدكتور ناجح إبراهيم أكد في حواره، أن الفكر لا يحارب إلا بالفكر، وأن المغالاة في الأحكام القضائية التي تصدر في حق بعض قيادات الجماعة لا يترتب عليه سوى استفزاز واستدعاء مشاعر الانتقام من الطرف الآخر، وبالتالي يصبح الفرد لديه كل الاستعداد للانتقام لأنه لا يبقي على شيء، مؤكدا أن الدولة وجماعة الإخوان "شركاء في انتشار العمليات الإرهابية" في المجتمع، وأن الرئيس مبارك كان يتعامل مع كل جماعة على حدة، أما النظامي الحالي فيضع كل الجماعات في سلة واحدة، لافتًا إلى أن وزارة الأوقاف فشلت في مهمتها، والمنابر ميتة.. وإلى نص الحوار:
في البداية.. هل المواجهة الأمنية كافية لمواجهة العمليات الإرهابية؟
في الواقع أتقدم بخالص التعازي لضحايا الحادث الإرهابي لكنيسة البطرسية، ذلك الحادث الذي يتنافى مع كافة الشرائع السماوية التي حثت على السلام والتعايش ونبذ العنف، أما فيما يتعلق بخيار المواجهة الأمنية فقد أثبتت أنها لا تكفي وحدها ولن تحل المشكلة، والدليل لدينا أربعة دول نجحت في احتواء المتطرفين دون مشاكل أو خسائر في مقدمتها: المغرب، إسرائيل، تونس، والأردن.
المغرب استوعب كل المتطرفين بطريقة سياسية ذكية دون خسائر لكل الأطراف، وملك الأردن رغم أنه ملك شاب إلا أنه أقام تفاهمًا مشتركًا مع القيادة الإخوانية بالأردن، وهي وسطية ومعتدلة وتدور في فلك الوطن والإسلام أيضا، وإسرائيل كذلك شاركت بعض المتطرفين في الحكم وكان من الممكن بعد واقعة اغتيال"إسحاق رابين" أن تغتال تلك الأطراف وتقتل وتعذب لكنها اعتبرت هؤلاء جزء من شعبها، أما تونس فقد دمجت الإسلاميين، والمغرب أدخل الإسلاميين في المناصب الوزارية والتنفيذية، فتلك الدول لعبت سياسة دون عنف واتفقوا على أن من يلجأ للعنف فالسجون مكانه.
أشرت بأن الخيار الأمني لم يعد كافيًا والرئيس دعا إلى تجديد الخطاب الديني.. فما رأيك في جهود المؤسسات في تطوير العمل الدعوي؟
منذ أن أحكمت الأوقاف قبضتها على المنابر كنوع من تجديد الخطاب، لا أحد يحضر للمساجد بالقدر الكافي، لأنها لم تقم بتفعيل أي نشاط داخل المسجد، فلا أحد من الشباب يأتى إلى المسجد لكي يستمع درسًا أو حلقة نقاشية، فإذا حدث وألقى خطيب الأوقاف درساً فلا يحضره اثنان أو ثلاثة من الشباب، وبالتالي حدث تفريع للموضوع من مضمونه، فتجديد الخطاب الديني لا بد وأن يكون في مجتمع لا يعاني من تلك النسبة العالية للبطالة والسياسة فيه ميتة والأحزاب ميتة والتعليم والتعليم الجامعى ميت، والاقتصاد به منهار.
وتجديد الخطاب الديني جزء من المجتمع، وتجديد الخطاب لن يكون حيًا إلا إذا كان المجتمع نفسه حي، أما مجتمع كل قطاعاته العلمية والثقافية وشتى قطاعاته "مريضة" فلا تنتظر منه تجديدًا، وتجديد الخطاب الدينى لا يعني أن أتي شخصيات "تعبانة" وأقوم بتصديرها للدعوة، آلان لا يوجد خطيب في مصر يُسمع له، أو داعية مشهور ممن يتصدرون الدعوة على المنابر.
وما هي الطريقة المثلى في التعامل مع الأزمة بين الجماعة والدولة؟
المفترض أن أعمل مع الفصيل الوسطى الذي لا يمارس العنف، لكن أن أضع الجميع في سلة واحدة فهذا غير منطقي، وكان هناك أناس من الجماعة ممتازين من البداية، وعلينا إلا نبالغ في العقوبة، فالمرشد مثلا بلغ عمره 70 عامًا، وأعمار "أمة محمد" من خمسين إلى سبعين، فأن تقضي على المرشد بخمسمئة عام فهذا أمر يثير المشاعر بدون فائدة، ولا بد أن تكون منطقي حد في مواجهة الخصوم، فالدولة ليست بوسعها إعدام محمد مرسى، وفي نفس الوقت تقضى عليه بعقوبة الإعدام، وبالتالى تحدث إثارة دون جدوى.
ولماذا الدولة عاجزة عن تنفيذ أحكام الإعدام ضد قيادات الجماعة؟
أنا أرى أنه لن ينفذ، والخلاصة يجب ألال أترك الشباب الذين إلقي القبض عليهم في مظاهرات دون أن أعمل له محاضرات ولا أتي له بكتب وأسمح له بدخول صحف، والـتليفزيون، يجب ألا أغلق كل أبواب الوسطية والتنوير والثقافة، أو أضعه مع مساجين متطرفين فبالتالى يخرج بعد العقوبة تكفيريًا، فالسجون بهذه الطريقة تعتبر مصدرًا للتكفير.
فكثير من الشباب التي خرجت من السجون أما أن الأسرة نجحت في احتضانهم أو مضوا في طريق التكفير، وقد يكون البعض منهم نفذ عمليات، فالقوة الأمنية وأمن الكمائن والسلاح لا يستطع حماية مصر كلها فإذا ركزت على حماية السياحة فلن تقدر أن تحمي الكنائس، وكذلك المطارات والأهداف الاستراتيجة الأخرى، ومسالة إخضاع الجرائم الإرهابية للمحاكمات العسكرية أبسط رد عليها أن الانتحاري نفسه لا يخاف من العقوبة حتى تتجه إلى تغليظها، وعلينا أن نبحث عن آلية لـلتفاهم مع الشخصيات المعتدلة، وتتولي هي معالجة الأفكار الشاذة.
كيف ينبغي للجماعة أن تتعامل مع الدولة وما هور دور الأخيرة تجاه الإخوان؟
لدينا شخصيات في الجماعات مختلفة، فالجماعات ليست على شاكلة وأحدة، فأنصار بيت المقدس من الممكن أن يكون التعامل معها عسكري أو أمني فقط، لكن الإخوان لها جوانب فكرية ودعوية وتضم أساتذة جامعة وشخصيات وعلماء كبار، ومن الممكن أن أستغل من لم تلوث أياديهم بالدماء واستقطب ذلك الفريق وأجعله يعلو على الفريق الآخر المتشدد ويقود تلك الجماعة وأوصل معهم إلى عدة نقاط عدة:
وقف العنف وعدم التحريض عليه، والاعتراف بشرعية النظام، في مقابل أن يقودوا مسيرة الجماعة للإصلاح وفي النهاية ليس أمامنا غير المصالحة الوطنية وسيظل الأمن يقبض ويعذب وإعدامات وأحكام ونيابة وسجون ومحاكمات وأخطاء هنا وهناك والجانب الآخر ينتهز أي فرصة ويقوم بحادث تفجير يضيع جهود أمنية على مدار العام، فحادث البطرسية قضى على جهد كبير للأمن خلال الشهور الماضية في قطاعات التنمية والسياحة والاستثمار والوحدة الوطنية.
فبدلًا من ذلك علينا أن نبحث عن آلية أخرى طالما أن تلك الآلية بها أخطاء، يجب أن نفكر خارج الصندوق بطريقة جديدة ومبتكرة وغير نمطية، فكرة المبادرة كانت جيدة وعلينا أن نبحث جاهدين في حل المعطلة، فنحن لم نخترع العجلة والسبل موجودة إذا توافرت الإرادة.
باستدعاء تاريخ العنف في ثمانينيات القرن الماضي ما هي الدروس التي يمكنا الاستفادة بها الآن؟
العنف مشكلة لن تحل إلا بحل جذري والحلول الأمنية فقط لن تنفع، وفكرة أن تؤمن كل الأماكن مطلوبة ولكن ليست الحل النهائي، فمن الصعب أن تكون الأجهزة على درجة عالية من اليقظة طول الوقت، ولكن لابد أن تحل القضية بفكر ومحاضرات في السجون والسماح بدخول الجرائد ومشاهدة التليفزيون وغير ذلك من الوسائل التي تحميهم من غزو الأفكار المتطرفة ومحاولة إبعادهم عن التطرف الفكري وتغذية مشاعر الانتقام من الدولة والكراهية، حتى يرى الشاب وجه الدولة الحسن وليس القبيح.
وهل الدولة مدركة أن تلك الجهود غير مجدية على المستوى المطلوب؟
الدولة تختارالجهود الأمنية وتحسبها أن المشكلة بسيطة وتحتاج لقبضة أمنية، في حين أن الطرف الآخر ليس بمجرم أو لص يخاف من العقوبة بقدر ما هو يدافع عن فكر بغض النظر عن كونه خطأ، فلديه فكر خطأ لا بد وأن يصوب بالفكر السليم.
لماذا تتصاعد وتيرة الإرهاب في ظل حكم الرئيس السيسي؟
لأسباب كثيرة جدا، كان من أهم الاسباب خطاب رابعة وكان خطابا حربيا وتكفيريا وبه استعلاء وغير منطقي وأدى إلى المواجهة والسبب الآخر فض رابعة بالقوة المفرطة وما خلف من ضحايا، فأغلب من قام بعمليات إرهابية أكثرهم من الاقاليم ممن شاركوا في اعتصام رابعة يوميًا وسمعوا تلك الخطابات وتأثروا بها وشاهدوا معظم أصدقائهم وأقاربهم وهم يقتلون يعذبون أو أصيبوا، المسألة الأخرى غياب الدعوة الوسطية والأوقاف فشلت في أنها تمثل الدعوة الوسطى فالمساجد ميتة ومنعوا كل الدعاة الآخرين حتى الفريق الوسطي الذي من الممكن أن تواجه الفكر المتطرف شن عليه حرب، حتى الذين كانوا يلعبون دورًا أيام مبارك، كالشيخ حسان ويعقوب، حيث كانت يحولان بين الشباب والمواجهة مع الدولة وهم غائبون عن المشهد الآن، والحرب الإعلامية بين الطرفين التي تحث على الانتقام والكراهية.
ولو حسنَّا أوضاع السجون وجعلنها أفضل ممكن أن تعطي انفراجة، وكذلك عدم التفرقة بين معاملة الإخوان وأنصار بيت المقدس أمر خطأ، وأهم ما يميز الأمن في عهد مبارك أنه كان يفرق بين الأطراف، فالسلفيين كان لهم معاملة والإخوان لهم معاملة والجماعة الاسلامية لهم معاملة أخرى فكل فصيل له معاملة، كلٌ على حسب خطورة، لكن حاليا "كله عند العرب صابون"، فهناك شخصيات لم ترتكب أي عنف وصدرت ضدها أحكام وفصل من وظيفته ومصادرة أموالها، وبالتالي أصبحت كل الآمال ضائعة بالنسبة لها.
وأخيرا غياب القادة الحكماء للجماعة، فمبارك مثلا كان يترك المرشد من أجل "تظبيط" باقي الجماعة لكن هناك مجموعة كبيرة خرجت من الإخوان وأدرات العنف مثل "حسم" و"لواء الثورة" وذلك لعدم وجود شخصية حكيمة تهيمن على المشهد، فأغلبهم داخل السجون والجزء الآخر هارب خارج البلاد.
حديثك يشير وبقوة ان انتشار الإرهاب عملية مشتركة بين الإخوان والدولة؟
طبعا سياسات خاطئة من الطرفين منذ نشوب الأزمة.
وهل الرئيس مبارك أكثر دراية من التعامل مع الإرهاب أكثر من السيسي؟
لا أرغب في الإجابة.
هل من الممكن أن نعيد تجربة المصالحة بين الدولة والجماعة الإسلامية؟
التفكير في استئصال الفصيل كله أمر غير مجدٍ فإاذا توفرت الإرادة من الممكن فعل كل شيء ولكن الصعوبات أكبر لوجود أعداد كبيرة من القتلى من الطرفين وأسر الشهداء من رجال الجيش والشرطة لن يرغبوا في المصالحة بعد فقدان أبنائهم، فضلا عن وجود قوى سياسية رافضة، ومعوقات في الطرف الثاني فقد قتل منهم أعداد كثيرة في رابعة وهناك تمزق في قيادة الإخوان، وليسوا على قلب رجل واحد.
فهناك فصيل من الجماعة يستخدم العنف مثل "لواء الثورة" و"حسم" وهي جماعات متطرفة لم تكن موجودة من قبل، والدولة والجماعة أصبح بينهما دماء غير أنه ومع تلك المصاعب فالمصالحة ممكنة ولا مفر منها.
تحدثت أن المصالحة لا مفر، فمن المستـفيد من غيابها؟
هناك أحزاب وقوى سياسة وأطراف أخرى داخل مفاصل الدولة تخشى من أن تعود الجماعة وتهيمن على بعض القطاعات، ولكن يجب على تلك القوى أن تفضل مصلحة الوطن عن الأجندات الخاصة.
ما ردك على الدعوات التي تطالب بقطع العلاقات مع قطر بعد تفجيرات البطرسية؟
أنا ضد قطع العلاقات مع أي دولة، ففكرة قطع العلاقات مع الدولة فكرة عقيمة من الستينيات أضرت مصر، فمصر قطعت العلاقات مع أمريكا وندمت على ذلك ومع ألمانيا، علينا أن نضع كل شيء في وضعه الصحيح، أي بلد لا نقطع العلاقات معها حتى في حالة الحرب تكون العلاقات موجودة فأمريكا حاربت العراق ولم تقطعه معها العلاقات، فقطع العلاقات مسالة سيئة ولم تجلب أي مصلحة للبلاد، وأنا اقول ذلك ليس حبًا في قطر وإنما قاعدة عامة.
المصدر أخبار | التحرير الإخبـاري
ليست هناك تعليقات