كارثة.. «مافيا الأسمدة» تهدد محصول القمح
زادت أزمة الأسمدة خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد اختفاء كميات كبيرة من الجمعيات الزراعية بالمحافظات، نتيجة ارتفاع سعر الطن الواحد بنسبة 50%، وتحديدًا من 2000 جنيه إلى 2959 جنيها، الأمر الذي يعود بالضرر البالغ على زراعة عدد من المحاصل الاستراتيجية، مثل القمح والفول.
صناعة الأسمدة، تعد عصب الزراعة المصرية لكن في ظل تحايل بعض شركات الأسمدة الحكومية على القانون الذي يمنعها من تصدير الأسمدة للخارج، من خلال تصديرها الأمونيا السائلة، والتي تعد المادة الفعالة للمنتج النهائي للسماد.. لتطل الأزمة كل عام على الفلاح المصري الذي لا حول له ولا قوة.
يرى الخبراء أنه يجب على الحكومة النظر لمنظومة توزيع الأسمدة والعمل على إعادة هيكلتها، لا سيما أن حجم الاستثمارات في هذا المجال وصل إلى 900 مليون جنيه، ويبلغ حجم الإنتاج 16 مليون طن سنويًا، والاستهلاك الفعلي لا يتعدى 10 ملايين طن، والباقي يتم تصديره للخارج، مؤكدين أنه لا تزال حتى الآن معاناة الفلاح مستمرة في الحصول على الأسمدة المدعمة من الجمعيات التعاونية، ما يضطره إلى التعامل مع السوق السوداء، التي تطرح شيكارة السماد بسعر يزيد على 250 جنيهًا.
وقال الدكتور شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز بحوث الصحراء بوزارة الزراعة، لـ"التحرير"، إن الأزمة الحقيقية لقضية الأسمدة في مصر تتمثل في أنه لا يوجد سياسة سمادية واضحة في مصر، ما انعكس بالطبع على سياسة الدولة في تصدير الأسمدة، لافتًا إلى أن هناك على سبيل المثال أشهرا محددة يحتاج فيها المزارعون إلى الأسمدة، وهي الأشهر التي تزرع فيها المحاصيل الاستراتيجية، مثل القطن والقمح والأرز والذرة، وبالتالي على الدولة أن توفر الأسمدة في تلك الأوقات بالجمعيات الزراعية وبنوك الائتمان الزراعي مع توفير الأسمدة البوتاسية التي تستوردها الدولة في أشهر معينة أيضًا.
كشف فياض أن هناك بعض شركات الأسمدة الحكومية تتحايل على منع الدولة لها تصدير الأسمدة إلى السوق الخارجية، وذلك من خلال قيامها بتصدير المادة الأساسية في صناعة الأسمدة، وهي النيتروجين السائل إلى الخارج، وهو المادة الفعالة في صناعة الأسمدة، وبالتالي فعلى الحكومة أن تصدر قرارًا بمنع تصدير النيتروجين السائل للخارج؛ لمنع هذا التحايل من جانب الشركات.
أضاف فياض: "لدينا مشكلة ضخمة في قضية الطاقة بمصانع الأسمدة، وهذه الأزمة ظهرت بعد ثورة 25 يناير، بعد أن تم رفع أسعار الطاقة على الشركات، ما أدى إلى رفع أسعار الأسمدة، وكان على الدولة هنا أن نفرق بين مصانع، مثل كيما للأسمدة بأسوان التي تغطي جنوب مصر بالكامل وبين شركات أخرى تصدر كامل إنتاجها إلى الخارج بأسعار مرتفعة بالدولار، وبالتالي فيجب دعم الشركات التي تقدم منتجاتها إلى السوق المحلية، وذلك فيه دعم للمزارع في ذات الوقت".
لفت فياض إلى قضية أخرى يجب التنبه إليها، وهي قضية تجارة الأسمدة التي لا تحظى بالرقابة الحكومية الكافية، حيث يتم بيع الأسمدة للفلاحين بالأجل، فضلًا عن مستلزمات الإنتاج الأخرى من تقاوي ومبيدات وغيرها، ما يؤدي إلى تربح التجار على حساب الفلاحين، منوهًا بأن السوق السوداء لتجارة مستلزمات الإنتاج الزراعي يسيطر عليها مجموعة من كبار التجار ورجال الأعمال في مصر، وبالتالي فهناك احتكار واضح من جانبهم لمستلزمات الإنتاج الزراعي، فعلي سبيل المثال كان أمين أباظة، وزيرًا للزراعة في عهد مبارك وأيضًا تاجرًا للقطن، مشيرًا إلى أن هناك مناقشات حول استخدام آليات السوق والخصخصة في المجال الزراعي، ما يثير المخاوف من عودة الاحتكار لمستلزمات الإنتاج مرة أخرى.
وطالب فياض بضرورة تطوير مفهوم التعاونيات في مصر ورفع يد الدولة وسيطرتها عليها، مؤكدًا أن قانون التعاونيات الحالي يحتاج إلى مراجعة ولا بد من حوار مجتمعى حول هذا القانون مع أطراف القضية وأصحاب المصلحة في هذا الأمر، مثل عقد لقاءات مع اتحاد الفلاحين والتنظيمات الفلاحية ومشاركتهم في هذا الحوار، فضلًا عن مشاركة بعض الأحزاب والجمعيات التي تهتم بقضايا الفلاحين، خاصة أن قوانين التعاون السابقة اقتصرت خلال مناقشتها على مجموعة محدودة من أصحاب المصالح ولم تلتقِ أو تراعي باقي الفئات.
وشدد فياض على ضرورة فصل إدارة الجمعيات التعاونية عن الدولة، ممثلة في وزارة الزراعة مع إعطاء الجمعيات التعاونية الزراعية امتيازات وحرية في اتخاذ القرارات لتشجيع الفلاحين في الانضمام إليها، منوها بأن رقابة وسيطرة الدولة على التعاونيات أضعفت الحركة التعاونية في مصر.
مجدي أبو العلا، نقيب الفلاحين بالجيزة، أكد لـ"التحرير"، أن الأسمدة غير متوافرة حاليًا بالجمعيات الزراعية، نتيجة عدم توافر الرقابة من قطاع الخدمات والمتابعة بوزارة الزراعة، لافتًا إلى أن الجمعيات التعاونية الزراعية مسؤولة عن توزيع الأسمدة وهناك تقصير كبير من جانبها.
أضاف أبو العلا، أن الفلاحين يطالبون منذ 12 عامًا بإنشاء مصنعين لزيادة المعروض من الإنتاج الزراعي من الأسمدة، على أن تقوم وزارة الزراعة بتمويلهما، مستدركًا: "هناك مصانع ملتزمة بتوريد حصصها من الأسمدة إلى الجمعيات الزراعية، مثل مصنع طلخا وأبو قير للأسمدة؛ لكن هناك بعض المصانع التي تقوم بتصدير إنتاجها للخارج كأمونيا سائلة للتحايل على القانون، وهذه الشركات والمصانع لا يجب إعطاؤها الكهرباء أو الطاقة بأسعار مدعمة، لأنها غير ملتزمة بتوريد حصصها من الأسمدة إلى السوق المحلي وتهتم بتصدير منتجاتها بالدولار، لذلك لا يجب دعمها".
أشار أبو العلا - إلى أن السوق السوداء تسيطر على مستلزمات الإنتاج الزراعي في مصر، خاصة أن بعض التجّار يحصلون على الأسمدة بطرق ملتوية من الجمعيات الزراعية؛ إذ تباع شيكارة النترات بسعر رسمي 148 جنيهًا في حين يحصل عليها هؤلاء التجّار بأسعار خاصة ثم يبيعونها في السوق السوداء بـ250 جنيهًا، منوهًا بأن السوق السوداء تسيطر على مستلزمات الإنتاج من تقاوي وبذور وأسمدة وغيرها.
وأوضح فريد واصل، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين، أن إعلان الحكومة زيادة أسعار الأسمدة ليصل الطن إلى 3000 جنيه يؤثر على الإنتاج الزراعي بما فيه محصول القمح الذي يحتاج إلى كميات مختلفة من الأسمدة، بما يزيد من عبء التكلفة وتآكل ما يحصل عليه الفلاح من عائد محدود في أثناء عملية التوريد لوزارة التموين والتجارة الداخلية.
أكد واصل أن رئيس مجلس النواب أوضح أنه لا زيادة في سعر الأسمدة في وقت أعلنت فيه الحكومة عن الزيادة بنسبة 50% دون أن يتصدى البرلمان؛ لما أقدمت عليه الحكومة حماية للفلاح من الغلاء الذي استغله التجار للمكاسب من المزارعين في وقت مبكر دون وجود جهة تستمع إلى ممثلي الفلاحين أو تحميهم من الغلاء بالأسواق التي لا تعرف الانضباط السعري.
أشار واصل إلى أن فدان القمح يحتاج إلى 5 شكائر أسمدة بـ750 جنيهًا، بجانب الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية للخدمة في وقت يتم طرح التوريد للقمح المحلي بالأسعار العالمية لهيئة السلع التموينية طبقًا لآخر شهرين تم استيراد القمح فيهما من الخارج.
ويرى كرم صابر، مدير مركز الأرض لحقوق الإنسان، أن وزارة الزراعة قامت مؤخرًا برفع أسعار الأسمدة على الفلاحين، ما أدى إلى إهدار حقوق المزارعين، مؤكدًا أن قرارها الأخير بزيادة طن السماد ما هو إلا نموذج لسياسات متضاربة ومنحازة لمصالح التجار، حيث يتحمل المزارع الصغير هذه الزيادات وتؤدي لانخفاض دخله ورفع أسعار الخضر والغذاء.
أضاف صابر: "طريقة تسليم الأسمدة من المصانع إلى المزارعين يشوبها الكثير من الأخطاء"، مطالبًا بضرورة وجود نقابات مستقلة لتوزيع الأسمدة على الفلاحين، خاصة أن التجار هم من يتحكمون في الأسمدة وسوق الأسمدة في مصر، وكل ذلك على حساب مصلحة الفلاحين، كما أن الحكومة تتبع إجراءات بيروقراطية تعوقهم عن استلام الأسمدة، بينما يفضل بعض الشركات طرح إنتاجهم للسوق الخارجي لتحيقق أرباح أعلى، مما يتحقق لهم من خلال طرح إنتاجهم بالسوق المحلي.
محمد فرج، رئيس اتحاد الفلاحين، أكد في تصريحات خاصة لـ"التحرير"، أن أصحاب المزارع الكبرى كان يتم تخصيص لهم حصة كبرى من الأسمدة؛ إذ تحصل هذه المزارع التي يمتلكها رجال أعمال تابعين للنظام القديم على 33 شيكارة أسمدة لفدان الموز الواحد، في حين لا يحصل محصول، مثل القمح والذرة على كل هذه الكمية من الأسمدة، فضلًا عن أن الموز يعد من المحاصيل غير الاستراتيجية حيث يحرم الفلاح من الحصول على مقرراته من الأسمدة من محاصيل مثل القمح والذرة.
وأوضح فرج أن هناك فجوة واضحة بين ما تنتجه مصر من أسمدة وهو يصل إلى 16 مليون طن ونستهلك 10 ملايين طن، ما يعني أن هناك فائضا يقدر بـ6 ملايين طن، وبالتالي فهناك حلقة مفقودة وأيادٍ خفية تعبث بكل هذه الكمية وتجعل هناك عجزا في الأسمدة من خلال السوق السوداء.
المصدر أخبار | التحرير الإخبـاري
ليست هناك تعليقات