خمس عوامل تحدد نجاح أي “فلوجر” يصنع المحتوى المرئي في اليوتيوب
نحن نتحدث هنا عن التدوين المرئي، وبخاصة فيديوهات الحياة اليومية، أو ما يسمى باللغة الإنجليزية (Vlog)، فقد أصبح اسم (فلوج) أو (فلوق) هو الأكثر انتشاراً، فنادراً ما نسمع (تدوين مرئي) بين المستخدمين العرب ورواد منصة اليوتيوب، أما الشخص الذي ينشر تلك الفيديوهات فهو (فلوجر)، وقد أصبحت هذه النوعية من الفيديوهات في السنوات الأخيرة أكثر انتشاراً في العالم الغربي وبدأت تنتشر في العالم العربي.
قد يقول البعض أن “الفلوجر” هو شخص لم يجد أي محتوى مفيد ونافع يقدمه، فقرر تصوير حياته اليومية ومشاويره الصباحية والمسائية ليصنع منها فيديوهات يمكن نشرها ومن ثم كسب بعض الدولارات منها، ولو انتقلنا للطرف الآخر والفريق المناوئ له فسنجد أنهم يقولون: بل تلك الفيديوهات هي من أكثر أنواع المحتوى فائدة، كونها تحتوي على تجارب الإنسان وخبراته في الحياة، ولأنها أفعال وليست مجرد أقوال، وبين هذين الطرفين يمكن أن نتخذ لنا مسلكاً وسطياً.
في هذه المقالة سنقوم بتحليل ودراسة محتوى التدوين المرئي (الفلوجز) بشكل عام، ونسلط الضوء على واحد من الفلوجرز الأجانب (من كندا) الذي حقق نجاحاً باهراً في منصة اليوتيوب وتجاوز عدد مشتركي قناته 2 مليون في وقت قياسي (أقل من سنة)، إنه اليوتيوبر “بيتر مكانن” أو “Peter McKinnon” الذي ينشر فيديوهات تحمل طابع شخصي، ما بين تدوين مرئي يعرض فيها بعض جوانب حياته، وما بين محتوى تعليمي مفيد لهواة التصوير وصنّاع المحتوى المرئي.
الهدف هو معرفة عوامل النجاح لأي فلوجر، ولماذا ينجح البعض ويفشل آخرون، ومالذي ينقص الفلوجرز العرب أو غير العرب لتحقيق النجاح ومن ثم المنافسة في صناعة محتوى يستحق الانتشار والبقاء ليُستفاد منه حالياً ومستقبلاً.
1. حياة تستحق التوثيق
قبل أن يسأل الشخص نفسه: هل سأنجح في تقديم هذا النوع من المحتوى؟ يجب أن يسأل نفسه: هل مجريات حياتي الحالية تستحق التوثيق والنشر؟ ماهو برنامجه الاعتيادي خلال اليوم والأسبوع، هل هنالك شيء مميز -أو أشياء- يقوم بها يمكن صنع مادة دسمة منها لتقديم محتوى نافع، أم هو مجرد شخص عادي يعيش في مجتمع عادي ويمارس أنشطة عادية؟
أن تعيش في بلد أجنبي وتنشر “فلوجات” لجمهور عربي، فهذه قد تكون واحدة من عوامل النجاح، ليس شرطاً طبعا أن يكون اليوتيوبر ناجحاً لهذا السبب فقط، فهنالك عوامل أخرى، لكن لأن المستخدم العربي يحب أن يشاهد كيف هي الحياة في الطرف الآخر من الكوكب، في تلك البلدان التي ربما لم يتمكن من زيارتها أو تجربة العيش الحقيقي فيها، لذلك فقد يكون منجذباً لما يقوم بتصويره ذلك الشخص حتى وإن كانت فيديوهات عادية، في حين أنه قد لا ينجذب ليوتيوبر آخر ينشر فلوجات قد تكون أفضل لكنه يعيش في نفس البلد وربما نفس المدينة.
هنالك نماذج كثيرة لناشري محتوى عرب تمكنوا من تحقيق نجاح جيد في منصة اليوتيوب وأحد أسباب ذلك هو لأنهم يعيشون في بلدان أجنبية مثل: محسن من اليمن المقيم في أمريكا وكريم من مصر المقيم في بريطانيا وغيرهم.
لا يعني هذا الكلام أنه يجب عليك السفر لبلاد أجنبية كي تتمكن من البدء بتصوير فلوجات يومية أو أسبوعية، فقد يكون لدى الإنسان حياة ثرية وهو مقيم في بلدته وبين أقربائه وأصدقائه، قد يكون شخص فاعل لديه أنشطة كثيرة واهتمامات عديدة ويمكن أن يستخلص من بين أيامه ما يستحق التوثيق والنشر.
2. إنجازات تستحق النشر
يمكن القول أن هذه المهنة هي مهنة الكبار في المقام الأول، والمقصود بالكبار هنا هم كبار السن، ولا نقصد هنا الشيوخ، بل الشباب الذين تجاوز عمرهم الثلاثين والأربعين سنة، لأن هؤلاء قد يكون لديهم الكثير من الخبرة ومن المرجح أنهم وصولوا لأماكن تخولهم أن يبدأوا في التحدث والنشر والمشاركة، أما الشباب الصغار الذين لازالوا يشقون طريقهم في الحياة، فهم في مرحلة الأخذ أكثر من العطاء، لازال أمامهم الكثير ليتعلموه ويجربوه، وقد قيل في تقسيم مراحل العمر، إن المرحلة بين 20 و30 سنة هي مرحلة يغلب عليها الأخذ أكثر من العطاء، والمرحلة بين 30 و 40 سنة يكون فيها مستوى العطاء قريب من مستوى الأخذ، ثم ما بعد الـ 40 سنة حين يكون العطاء أكثر من الأخذ، والأخذ هنا يمكن أن يكون التعلم والاستفادة من تجارب الحياة وخبرات الآخرين، أما العطاء فهو نشر العلم والخبرة وإفادة الآخرين بما لديك.
مثال على ذلك “كيسي نايستات“، الذي يقترب الآن من سن الأربعين وتقترب قناته من الـ 10 ملايين مشترك، حين بدأ فكرة النشر اليومي (Daily Vlogs) كان لديه مشروع وليد وشركة ناشئة يديرها (شركة beme القائمة على تطبيق اجتماعي) وفي نفس الوقت كان لديه رصيد جيد من الإنجازات والخبرات، بدأ التصوير والنشر ليشارك مع الجمهور قصة حياة ريادي أعمال يشق طريقه نحو النجاح، بالإضافة لكونة شغوف بصناعة المحتوى المرئي ولديه موهبة ساهمت في وصوله لنجاح بارز.
المُشاهِد يريد أن يخرج من كل فيديو بفائدة وإن كانت صغيرة، ليس الهدف فقط هو متابعة المشاوير من وإلى النادي، أو الاستماع للأحاديث التي قد تكون ممله، هو يريد مشاركة في بعض تجاربه الواقعية، في نجاحاته وإخفاقاته، في التعلم من الدروس التي يتعملها اليوتيوبر وينقلها للآخرين عبر عدسة كاميرته.
3. قوة الجاذبية الشخصية “الكاريزما”
الشخصية تعلب دوراً محورياً، هنالك أشخاص لديهم قابلية عجيبة لجذب الآخرين إليهم، طريقة الكلام والتعبيرات وبعض التصرفات التي تظهر عبر عدسات الكاميرا، كلها تشكل طابعاً خاصاً بصاحب القناة، وتلعب دوراً أساسياً في ربط المتابعين بالقناة وصاحب القناة، فتجد المشترك في القناة ينجذبون لكل فيديو جديد ينشره في قناته.
الصدق وعدم التكلف أهم ما يبرز شخصية اليوتيوبر الحقيقية ويصنع الرابط الإنساني بينه وبين مشتركي قناته، لكن رغم ذلك تبقى بعض صفات الشخصية والتي قد تصنع ما يسمى بالـ”كاريزما” من الأشياء التي يصعب التحكم بها، فهي موهبة ربانية معطاه لبعض الأشخاص دون آخرين، لكن لا ينبغي أن يقف هذا الأمر عائقاً أمام كل صانع محتوى لديه ما يمكن أن يُستفاد منه.
4. فن بناء القصة
الفلوجر المحترف هو من يستطيع أن يُكَوّن من أحداث يومه أو أسبوعه قصة لها بداية ولها نهاية وتتميز أجزاؤها بالترابط والتناسق فيما بينها، ومن أجل بناء القصة يفترض بالفلوجر أن يصور الكثير من أحداث يومه كي يتخير أي المشاهد هي الأنسب حين يقوم بعملية التحرير (المونتاج)، بل قد يستعين الفلوجر بمشاهد قديمة تدعم بناء وحبك القصة من أجل جذب المشاهد على طول الفيديو.
من الطبيعي أن يتمحور الفيديو حول موضوع رئيسي -كما في المقالات أو أي نوع آخر من المحتوى- لكن المشكلة أن هذه النوعية من الفيديوهات (الفلوجات) هي لقطات متنوعة من أحداث يومية متناثرة، عبارة عن رحلة داخل حياة اليوتيوبر الذي يحمل عدسته ويمارس أنشطته الروتينية، والفلوجر الناجح هو من يتمكن من جمع كلا الأمرين، أن يكون هنالك موضوع رئيسي يتمحور الفيديو حوله، وفي نفس الوقت يحافظ على تسلسل الأحداث وعرض أجزاء من أنشطته الحياتية.
الفيديو العادي هو عندما يقف الشخص أمام الكاميرا ويتحدث عن الموضوع الذي سيختاره عنواناً للفيديو بعد نشره، أما “الفلوج” فالموضوع سيكون داخلاً في ثنايا الأحداث والمَشَاهد، سيكون خليطاً بين الكلام النظري والأنشطة العملية التي يدعم بعضها بعضاً، وقد يستعين -كما ذكرنا- بلقطات قديمة أو حتى مشاهد من محتوى خارجي من أجل إيصال الفكرة بأفضل ما يكون.
5. فن تحرير الفيديو
بعد يوم طويل من التصوير والتوثيق تأتي خطوة مهمة، الخطوة التي سيتم فيها انتقاء مشاهد قليلة والاستغناء عن الكم الأكبر من الفيديو المسجل، وهنا يأتي فن الانتقاء والاختيار، ويأتي دور اللمسات البسيطة التي تعمل كديكور يجمل جوانب الفيديو النهائية، ومن أجل إتمام ذلك يفترض بالفلوجر أن يكون لديه إلمام جيد بأحد برامج المونتاج الاحترافية (مثل Adobe Premiere Pro).
هنالك الكثير من اللمسات التي يتعملها الشخص مع الممارسة العملية، فليس شرطاً أن يكون لدى الفلوجر الكثير من المهارات من أول يوم يصور فيه، لكن على الأقل يجب أن يكون في قلبه بعض الشغف الذي يجعله مستمراً في التعلم والتطور يوم بعد يوم، ويجعله قادراً على الجلوس أمام برنامج المونتاج لساعات طويلة دون ملل، أن يكون لديه رغبة قوية في إنتاج شيء إبداعي ونشر محتوى جميل يَسّرُ المشاهدين، ويسره هوَّ يوم الدين.
ليس شرطاً أن تكون فلوجر
ثم أما بعد، فإنه ليس شرطاً أن تكون فلوجر، يمكن أن تكون يوتيوبر ينشر المحتوى النافع والمفيد بشكل عام دون أن تشارك أي شيء عن حياتك الشخصية، فالنشر في مجال المحتوى التعليمي يناسب أي شخص لديه خبرة وعلم في أي مجال كان، وهو على عكس محتوى “الفلوجات”، يمكن أن يستمر نفعه وخيره سنوات عديدة، ويمكن أن يصل إليه جمهور كبير في المستقبل، لأن العنوان يعبر عن المضمون، ومن سيبحث عنه سيصل إليه.
أخيراً …
كانت تلك بعض العوامل التي أراها أساسية لنجاح أي فلوجر، وهي مستخلصة ومستخرجة من تجربتي المتواضعة كمتابع عن كثب لعدة “فلوجرز” عرب وأجانب ينشرون بشكل يومي أو شبه يومي عبر منصة اليوتيوب، هنالك بالطبع عوامل أخرى لكني أراها ثانوية، والتي منها “العدة المستخدمة” مثل الكاميرا والأدوات الأخرى، لكن حتى لو كان الشخص يصور بكاميرا هاتفه الذكي، فلن يكون الفرق كبيراً لو أنه امتلك العوامل السابقة التي تشكل القاعدة الصلبة لانطلاق أي فلوجر يصنع المحتوى المرئي في اليوتيوب.
التدوينة خمس عوامل تحدد نجاح أي “فلوجر” يصنع المحتوى المرئي في اليوتيوب ظهرت أولاً على عالم التقنية.
المصدر عالم التقنية
ليست هناك تعليقات