كيف أثّرَ النسخ واللصق على جودة تطبيقات الهاتف الذكي
قبل أيام، وخلال إبحاري العشوائي وسط تطبيقات الأندرويد على متجر قوقل بلاي، بدا وكأني أزوره لأول مرة بعد غيابٍ طال سنوات، فقد ظهرت أمامي الكثير من التطبيقات العربية الغريبة، ليست الغرابة في أنها تقدم خدمات جديدة لم يسبق لها مثيل، لكن الغرابة تنبع من عكس ذلك تماماً، من كونها تطبيقات في أسفل سلم الجودة، تشترك في تقديم نوع واحد من الخدمات، إنها خدمة قراءة المحتوى، لكن ليس أيُ محتوى، بل المحتوى المنسوخ، أو بعبارة أخرى (المسروق).
في السابق، وقبل سنوات طويل، كنا نشتكي من عادة (النسخ واللصق)، كان ذلك في عصر المنتديات التي ملأت الساحة العربية يوماً من الأيام، عندما كان الدافع الأساسي للقيام بذلك الفعل، هو تحصيل بعض الإعجاب، وتلقي كلمات الشكر والتقدير من الأعضاء الآخرين، لكن ومع تطور الأمر وتوسع النظرة المادية للانترنت، بدأت النية والقصد من الـ (نسخ واللصق) تصبح أكثر مادية، بات الحصول على بعض الدولارات هو الدافع الذي يحرك الكثير ممن يطور أو ينشر تطبيقات الهاتف.
بالطبع ليس في الهدف المادي أيُ عيبٍ أو مشكلة، المال هو المحرك الأكبر لظهور الكثير من الخدمات الرقمية التي سهلت حياتنا، أو المحتوى المنشور الذي أفادنا، لكن ما يجب أن يكون عليه الأمر، هو أن المال يأتي مقابل قيمة، قيمة حقيقية، مجهود تبذله لتصنع شيئاً جميلاً أو محتوى مفيداً، وليس أن تنسخ مقالات من الانترنت من هنا وهناك ثم تسكبها في تطبيقات صغيرة، وتبدأ بكسب الدولارات من عرق وجهد الآخرين، من كتبوا ذلك المحتوى ونشروه من بعد خبرة كبيرة تحصلوا عليها خلال سنين حياتهم، ثم يأتي من يستسهل الأمر، ويأخذ ذلك المحتوى ويصنع منه تطبيقات بالعشرات -أو المئات- متاجهلاً عبارة (جميع الحقوق محفوظة) المحفورة أسفل كل موقع ومدونة.
النسخ واللصق يعود من جديد
جرب وادخل متجر التطبيقات (قوقل بلاي) ثم اكتب عبارة (طريقة تحضير) لتظهر لك مئات التطبيقات في صفحة النتائج، كل تطبيق يعطيك وصفة لتحضير أكلة أو صنف واحد فقط، تطبيق كامل شامل يأخذ حيزاً في هاتفك ثم يعطيك طريقة عمل بيتزا أو شاورما أو هريسة، وفي الغالب تم أخذ تلك الوصفة من أحد المواقع المتخصصة في الطبخ، مجهود إحدى ربات البيوت أو أحد صناع المحتوى يتم سرقته بكل بساطة ليصنع منه تطبيق متناهي الصغر.
قد تعترض وتقول: وما يدريك أنه محتوىً منسوخ من مواقع أخرى؟ أليس من الممكن أن يكون صاحب التطبيق هو من يكتب وينشر المحتوى النصي لكن عبر تطبيقات صغيرة بدلاً من نشرة في مواقع أو تطبيق شامل؟ وهنا أطلب منك أن تقوم بالنقر على إحدى تلك النتائج، ثم تنقر على إسم مطور التطبيق -الموجود تحت إسم التطبيق- لتظهر لك جميع التطبيقات التي قام بنشرها في المتجر.
في الغالب ستجد الكثير من التطبيقات الصغيرة في مجالات مختلفة، والمنطقي أن يكون المطور أو الناشر متخصص في تطبيقات الطبخ مثلاً لو كان المحتوى أصلي وغير منسوخ، لكن أن تجد تطبيقات للطبخ بجانب تطبيقات للمكياج وأخرى للأطفال بجانب تعلم اللغات، فهذه التشكيلة الغير متناسقة لا تشير إلا لشيء واحد فقط: أن هذه التطبيقات ماهي إلا صورة من صور (النسخ واللصق)، إنها الطريقة الحديثة لانتهاك حقوق الملكية والهروب من عيون محرك البحث: قوقل.
مقالة/أغنية في تطبيق
وقفت على تطبيق في المتجر تم تحميله أكثر من نصف مليون مرة، هذا التطبيق هو مجرد أغنية، نعم أغنية فقط، الآن أصبح بالإمكان أن تستمع للأغاني المشهورة عبر تطبيقات الهاتف الذكي، كلما أردت الاستماع لأغنية معنية؛ ماعليك إلا تحميل أحد التطبيقات الذي لن يقدم لك غير تلك الأغنية، بدلاً من أن تتوجه إلى (ساوندكلاود) أو (يوتيوب).
لا أعتقد أنها فكرة مقبولة أو منطقية؛ أن يحتوي التطبيق على قطعة واحدة من المحتوى، لا مشكلة في أن يكون هنالك تطبيقات متخصصة في عرض المحتوى، وليس شرطاً أن يكون محتوىً متجدد، كذلك يمكن أن يتخصص التطبيق في مجال محدد، لا أن ينفرد بموضوع واحد فقط، فما فائدة الانترنت والمحتوى النصي الذي يملؤ فضاء الويب، يمكن للمستخدم أن يبحث عن أي موضوع عبر محركات البحث ويصل لما يريد، فيقرأ أو يشاهد ثم يمضي في حال سبيله، دون الحاجة لملئ ذاكرة الهاتف بتطبيقات صغيرة مبعثرة.
الخلاصة أن تطبيقات الهاتف في الأساس هي من أجل تقديم الخدمات وليس لعرض المحتوى، أما المحتوى النصي فمكانه الويب والمواقع الرقمية، والمحتوى المرئي فمنزله اليوتيوب وفيميو وغيرها من المنصات، وكل نوع من أنواع المحتوى له منزل ومكان مناسب، وإن كان ولا بد، فيُفترض بالتطبيق أن يكون شاملاً في مجاله، فلقد ضاقت الهواتف بما فيها من تطبيقات، وضجرت من كثرة الصلاحيات التي تمنحها هنا وهناك، ناهيك عن مشكلة انتهاك حقوق الملكية التي لازالت تبحث عن حل منذ تغلغل الانترنت في حياتنا المعاصرة.
التدوينة كيف أثّرَ النسخ واللصق على جودة تطبيقات الهاتف الذكي ظهرت أولاً على عالم التقنية.
المصدر عالم التقنية
ليست هناك تعليقات