Header Ads

زراعة القمح مرتين سنويًّا.. أحلامٌ تهدِّدها مخاوف

"سعادة واهتمام".. هكذا لخَّص وزيران بحكومة شريف إسماعيل موقف الدولة من زراعة القمح مرتين سنويًّا، إذ أكَّد محمد عبد العاطي وزير الري اهتمام الدولة الشديد بهذا الأمر، بينما أعرب محمد علي مصيلحي وزير التموين عن سعادته الغامرة بهذا المشروع.

آمال كبيرة معلقة على هذا المشروع لزيادة الإنتاجية من القمح وبالتالي تقليل الاستيراد، إلا أنَّ هذه الأحلام لم تخفِ الكثير من المخاوف من تأثير الفكرة نفسها على مستقبل محاصيل أخرى، تعتبر استراتيجية لدى المواطنين.

وزيران ينقلان الحلم

وزير التموين قال إنَّ نجاح تجربة زراعة القمح مرتين يقلِّل من الاعتماد على استيراد القمح من الخارج، مشيًرا إلى أهمية التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية الهامة لتوفير العملات الأجنبية اللازمة للتنمية الاقتصادية لمصر.

على خطٍ مشابه، أكَّد وزير الري أنَّ التجربة ترشِّد استهلاك مياه الري، حيث إنَّه بدلًا من ري الأرض ستة أشهر يتم الري لمدة شهرين وعشرة أيام فقط، وبالتالي توفير كمية تتراوح بين 40 و45% من المياه التي كان يتم استخدامها.

وسط ما يمكن اعتباره "تطمينًا" حكوميًّا، سادت حالةٌ من الجدل بين خبراء الري والزراعة بشأن هذه الفكرة، وإمكانية الاستفادة منها مستقبلًا أو كونها تحمل تهديدًا لشعبٍ، يعاني في الأساس من ظروفٍ اقتصادية، يصفها بـ"القاتمة".

التبريد.. حلم القمح

"زراعة القمح بالتبريد" تعتبر طريقة جديدة لزراعة المحصول الذى يُعتبر الأهم للمصريين "استراتيجيًّا"، وهي طريقة ابتكرها عددٌ من الباحثين بالمركز القومى لبحوث المياه، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الذي يكلِّف الدولة مليارات الجنيهات في استيراده من الخارج، وزيادة إنتاجية الفدان من المحصول وتوفير مياه الري من خلال زراعة القمح مرتين، الأولى فى سبتمبر يتم حصادها في منتصف يناير، والثانية في فبراير ويتم حصادها خلال الموسم الشتوى فى مايو.

"الزراعة بالتبريد" فكرة مصرية 100% تسمح وفق الفريق البحثي  بزراعة المحصول مرتين فى العام بدلا من مرة واحدة.

أصل الفكرة 

نتيجة الزيارات المتعددة لباحثي مركز بحوث المياه للبلاد الباردة، تمَّ التعرُّف على أنَّ سقوط الثلوج على النباتات في هذه البلدان يؤدي إلى اختزان البذور للمواد الغذائية بكميات كبيرة، تكفي للعمليات الحيوية التي تتم داخلها، ثمَّ بعد ذوبان الثلوج تستطيع البذرة استخدام المواد الغذائية التي اختزنتها في النمو بسرعة كبيرة جدًا.

2012-05-08T144337Z_1823536044_GM1E8581PUJ01_RTRMADP_3_EGYPT-WHEAT

كيفية الزراعة بالتبريد 

فريق البحث المصري تمكَّن من تحديد درجة البرودة الجيدة التي يجب أن تتعرض لها البذرة، وعدد الساعات الضوئية التي يجب أن يتعرض لها النبات، لتحقيق عملية الإنبات السريع، وبالتالي تتسبَّب فترة التبريد التي تمَّ تحديدها اختصارًا في فترة نمو النبات بين ثلاثة وستة أشهر.

فوائد الزراعة بالتبريد

تتعدد فوائد هذه الطريقة لزراعة القمح، حيث يستفيد منها الدولة والفلاح والمواطن بشكل عام لأنَّ الزراعة بالتبريد تحقِّق الاكتفاء الذاتي من القمح، وتوفِّر 45% من استهلاك زراعة القمح من مياه الري وتعمل على زيادة إنتاجية الفدان ليصل إلى 15 إردبًا، هذا بالنسبة إلى الدولة، أمَّا الفلاح فإنَّها تسهم في تحسين دخله، بخلق تراكيب محصولية جديدة يمكنه الاستفادة منها، إذا اكتفى بزراعة القمح لمرة واحدة، وتوفر له ما يتراوح بين 8 إلى 12 ألف جنيه.

صاحب الفكرة: معدل النمو سريع للغاية 

الدكتور علي فرج منسق عام معهد بحوث دراسة المياه التابع للمركز القومي للبحوث، صاحب فكرة "زراعة القمح بالتبريد": "اكتشفت أنَّ جميع الدول التي نستورد منها القمح ذات مناخ بارد، مثل روسيا، والملاحظات التي تمَّ تسجيلها خلال الرحلات العلمية إلى دول أوروبا دعمت هذه الفكرة".

وأضاف: "معدل نمو البذور يكون سريعًا للغاية في الأجواء الباردة، وهو ما دفع لإجراء التجربة، والمحصول في روسيا يستغرق خمسة أشهر فقط".

وأشار صاحب الفكرة إلى أنَّه بدأ في وضع التقاوي في ثلاجات على درجات حرارة مختلفة، ثمَّ زراعة العينات، ثمَّ التوصُّل إلى أنسب درجة حرارة وأنسب فترة تقضيها "التقاوي" في الثلاجة، وأدَّى ذلك إلى حصد المحصول خلال ثلاثة أشهر فقط.

وأوضح: "التجربة في البداية كانت تهدف إلى توفير المياه، وبالفعل أثبتت أنَّه يمكن تقليل استهلاك المياه بنسبة 40 إلى 45%، ثمَّ تطورت التجربة إلى كيفية زراعة القمح في أجواء باردة للإسراع من معدلات نموه".

زراعة القمح

توفير وتعظيم

الدكتورعماد فوزي رئيس فريق البحث لزراعة القمح بالتبريد بوزارة الري، قال إنَّ تجربة زراعة القمح مرتين تهدف إلى توفير المياه وتعظيم الفائدة الاقتصادية للفلاح.

وأضاف أنَّ زراعة القمح بالتبريد سجَّلت في وزارة البحث العلمي وأخذت براءة اختراع، مؤكِّدًا أنَّ مؤشرات التجربة مصرية 100% وتنفع في جميع الأجواء المناخية.

وأشار فوزي إلى أنَّ إنتاجية فدان القمح في الأراضي الرملية 12 فدانًا.

القمح و«زملاؤه» 

فى المقابل، رفض الدكتور نادر نور الدين  أستاذ الأراضي والمياه والبيئة بكلية الزراعة جامعة القاهرة، الفكرة، قائلًا: "تجربة زراعة القمح بالتبريد التي أعلنت عنها وزارة الري غير واضحة وغير مسبوقة".

وأضاف: "المشكلة الواضحة في التجربة هو كيفية تدبير ستة ملايين فدان، ثلاثة منها في شهر سبتمبر، لزراعة القمح المبرد، ثمَّ ثلاثة أخرى في شهر فبراير لزراعة النصف الثاني من القمح المبرد".

وأكَّد أنَّه لا يصح زراعة القمح مرتين متتاليتين في نفس المكان، مشدِّدًا على ضرورة تدبير أرض جديدة لزراعة القمح في المرة الثانية.

وقال إنَّ المحاصيل والخضراوات القائمة في شهر سبتمبر، التي سيحل محلها القمح المبرد، هي "البطاطس - بنجر السكر - القطن - الذرة - الطماطم - القلقاس - السبانخ - البسلة - بدايات زراعات البرسيم"، متسائلًا: "هل ستضحي الدولة بهذه الحاصلات الاستراتيجية والمهمة من أجل تدبير عروة جديدة لزراعة القمح؟".

زراعة القمح

وأضاف أنَّ البيانات الصادرة عن وزارة الري تؤكِّد أنَّ المحصول المتوقع عن القمح المبرد يبلغ عشرة أرادب للفدان، موضِّحًا أنَّ هذه الإنتاجية تعتبر نصف ما ينتجه المحصول المعتاد من زراعات القمح التقليدية في نهايات شهر نوفمبر وبدايات شهر ديسمبر، والتي تنتج ما يتراوح بين 18 إلى 20 أردبًا للفدان.

وتابع: "هذا يعني أنَّ زراعة محصول القمح لمرتين في السنة، ستعطي نفس المحصول من زراعته لمرة واحدة فقط، أي أنَّ محصول القمح المبرد الناتج من زراعته في ستة ملايين فدان، ثلاثة صيفي وثلاثة شتوي، ستعطي نفس المحصول الناتج من زراعته في ثلاثة ملايين فدان فقط بزراعته التقليدية في نهاية نوفمبر، ليبقى السؤال ما الفائدة؟ ولماذا نفعل ما لم يفعله العالم؟ وهل التجربة اقتصادية أم مقصود منها مردود إعلامي فقط؟".

تجربة ليست من اختصاص وزارة 

نور الدين أشار إلى أنَّ هناك تساؤلات كثيرة تحتاج إلى توضيح من وزارة الري، ومنها أنَّها ليست مختصة بتجارب الزراعة، وأنَّ هذه التجربة ستكون مقبولة لو قامت بها وزارة الزراعة، معلِّلًا ذلك أنَّ هيكل وزارة الري يتكون من 90% من المهندسين، وبالتالي فهي منوط بها أبحاث المياه والسدود والقناطر والأهوسة والسحارات، بينما أبحاث المحاصيل الحقلية هي من اختصاص وزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية ونحو 18 كلية زراعة في مصر، وليست مسؤولية كليات الهندسة ووزارة الري.

وأوضح أنَّ محصول القمح كمحصول شتوي يتطلب استكمال ساعات معينة ومحددة من البرودة لإنتاج المحصول الكامل، لافتًا إلى أنَّ وزارة الري تؤكِّد أنَّها لجأت إلى تبريد الحبوب لمدة 40 يومًا قبل الزراعة لاستكمال جزء كبيرٍ من هذه الساعات، متابعًا: "الساعات الأخرى اللازمة لإنتاج المحصول ستتم أثناء النمو، وبالتالي تختصر فترة نمو المحصول إلى ثلاثة أشهر فقط بدلًا من خمسة في الزراعة التقليدية المعتادة، ولكن الري تعود فتقول إنَّ الزراعة تتم في سبتمبر والحصاد في فبراير وبحسابها يتبين أنها 5 أشهر وليست ثلاثة".

زراعة القمح

ولفت إلى أنَّ القمح محصول شتوي، يتطلب إنباته درجة حرارة منخفضة في الشتاء، لا تزيد على 20 درجة مئوية، بينما درجات الحرارة في سبتمبر لا تقل عن 33 إلى 35 درجة مئوية، مؤكِّدًا أنَّ هذه الحرارة لا تساعد علىى الإنبات المعتاد، كما أنَّ النمو في سبتمبر وأكتوبر "الحارين" يقلِّل من كمية المحصول المتوقع.

وأشار نور الدين إلى أنَّه في البلدان الباردة مثل كندا وروسيا والولايات الشمالية في أمريكا وأيضا في شمال أوروبا، تتم زراعة القمح ثلاث مرات سنويًّا وليس مرتين، حيث إنَّ الجو البارد هناك يساعد على ذلك بزراعة "القمح الخريفي" الذي يزرع في سبتمبر، وتسقط عليه الثلوج في نوفمبر، فتدفنه وتحتفظ به حيًّا حتى الربيع، ومع ارتفاع الحرارة يذوب الثلج، ويستكمل القمح نموه حتى يونيو.

وألمح إلى أنَّ القمح الشتوي الذي يزرع في ديسمبر ويناير في هذه المناطق، تظل حبوبه مدفونة في الثلج حتى الربيع، فتنبت وتستمر في النمو حتى يوليو، ثمَّ يأتي القمح الربيعي الذي يزرع في مارس بعد ذوبان الثلج، ويستمر في النمو حتى يوليو وأغسطس، لأنَّ المناخ البارد هناك يساعد على ذلك.

زراعة القمح

أرقام وهمية 

نور الدين قال إنَّ مخطط الري في زراعة القمح بالتبريد، يعني الإطاحة بمواعيد زراعة باقي المحاصيل والخضراوات التي تزرع في نفس المدة، مؤكِّدًا أنَّ زراعة القمح بهذا الأسلوب في "سبتمبر" سيتسبب في نقص حاد في توافر "البطاطس - البصل – الطماطم"، والخضروات الشتوية المبكرة مثل "البسلة - السبانخ - القلقاس – الفاصوليا"، كما سيحرم الفلاح من الزراعة المبكرة للبرسيم في سبتمبر.

وتساءل: "كيف يصرح الوزير بأنَّ إنتاجية المحصول عشرة أرادب مرة ثمَّ يصرح بأنَّ الإنتاجية 14 إردبًا في مرة أخرى، بينما القمح ما زال في الحقل لم يتم حصاده بعد، فمن أين حصلوا على هذه الأرقام الوهمية"، مؤكِّدًا أنَّه لا يمكن معرفة إنتاجية محصول الحبوب إلا بعد "الدراس"، وحساب حجم محصول الحبوب، ومحصول التبن.



المصدر أخبار | التحرير الإخبـاري

ليست هناك تعليقات