حوار.. مدير «الحق في الدواء»: رفع الأسعار «توصية» من أمريكا والبنك الدولي
14 صنف دواء فقط تمَّ استثناؤها من الزيادة الجديدة للأدوية
للمرة الأولى مرة منذ عهد مبارك.. أكثر من 165 دواءً بدون بدائل غير متوفرة بالسوق المحلي
الشريحة الأولى من الزيادة تشمل 4217 دواءً تشكل 15% من الأصناف المحلية من إجمالي 13 ألفًا و700 صنف مسجلة رسميًّا لدى "الصحة"
قانون التأمين الصحي "وشه فقر".. والحكومة عاجزة عن توفير 120 مليار لتنفيذه.. ونحتاج إلى 830 مليون جنيه سنويًّا لتوفير 35 مليون عبوة ألبان للأطفال
الدولة تخنق المجتمع المدني.. و"تسعيرة الدواء" تتسبَّب في تزايد مخزون المرتجعات.. ولا توجد جهة رسمية قادرة على تنفيذ القرار 499
زيادة "تسعيرة الدواء" بتوصيات من البنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية لرفع الدعم عن المستشفيات المصرية وتحكم القطاع الخاص بـ60% من الخدمة الصحية في مصر
سوق الدواء قفز لـ46 مليار جنيه بزيادة 11 مليارًا على العام الماضي بمعدلات نمو بلغت 14%
3 مليارات جنيه سحبًا "على المكشوف" من البنوك للشركة المصرية للأدوية التي تجاوزت مديونياتها مليارًا و300 مليون جنيه
لا يتوقف عن البحث وراء القرارات الرسمية والتحقق من تنفيذها على أرض الواقع، يقطع المسافات الطويلة كل يوم كعب دائر بين الصيدليات والشركات والمكاتب الرسمية لإرساء الآلية الرئيسية التي يسعى خلفها عبر نشر ثقافة الحق في الدواء، وتقديم الخدمات الصحية اللائقة للمواطنين في مختلف المحافظات المصرية.
كثيرًا ما يفتح الأبواب والقنوات أمام الحالات المرضية عبر الحديث المتواصل للإعلام المحلي والأجنبي عن أزمات الدواء وألبان الأطفال ونواقص الأدوية التي يعاني منها المواطن، وتجاوزت أعدادها نحو 2000 صنف من بينها 165 دواء دون مثائل أو بدائل، وهي سابقة تحدث للمرة الأولى ولم تتكرر منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي كانت لم تتعد فيه المائة دواء في ظل تسعيرة عشوائية تتكرر وتلحق بجميع الأدوية، ومن بينها الأدوية المزمنة التي لا يستغني عنها المواطن المصري.
هكذا أعلن المحامي الحقوقي محمود فؤاد مدير المركز المصري للحق في الدواء لـ"التحرير" عقب خروجه من نيابة الدقي عقب تحقيق أُجري معه لما يقرب من أربع ساعات بسبب شكوى مقدمة ضده من "الخفير نادي" أحد المصابين في حادث اغتيال النائب العام السابق تتهمه بالتحريض ضد مؤسسات الدولة وإثارة الفتنة بين جموع المواطنين ونشر أخبار كاذبة، وأخلت النيابة سبيله بكفالة مالية قدرها 2000 جنيه.
خلال حواره مع "التحرير"، أكَّد فؤاد أنَّ السلطات المصرية تُضيق على العاملين بالمجتمع المدني وتخنق المراكز الحقوقية التي تسعى نحو مساعدة الحكومة المصرية في توفير الخدمات الصحية اللائقة بالمواطنين، موضِّحًا أنَّ الدولة عاجزةٌ عن توفير 120 مليار جنيه لإقرار قانون التأمين الصحي الشامل الذي يخفِّف من فاتورة الأعباء الباهظة التي يتحملها المصريون وحدهم في ظل تعويم العملة المحلية وتحرير سعر صرف الدولار، وبالتالي فإنَّ الدولة بذلك تخضع لشروط البنك الدولي وصندوق النقد وهيئة المعونة الأمريكية التي طالما طالبت برفع الدعم عن الخدمات الصحية وفتح الأبواب أمام شركات القطاع الخاص للاستحواذ على أكثر من 60% من الخدمات المقدمة للمواطنين وغيرها من الملفات الشائكة والأزمات المتوقعة التي تناولناها عبر هذا الحوار.
ماذا عن تفاصيل التحقيق معكم في نيابة الدقي بتهمة إثارة الرأي العام؟
يوم الأربعاء الماضي فوجئت ببلاغين مقدمين ضدي في نيابتي الجيزة والدقي، أحدهما خاص بالمركز المصري للحق في الدواء ومصادر التمويل الخاصة به وهذا البلاغ تمَّ حفظه داخل نيابة الجيزة بعد تقديم الأوراق والإيصالات الخاصة بالتمويل، والثاني أمام محمد مؤمن وكيل نيابة الدقي بسبب استدعائه لي هاتفيًا وحينها قال لي "محتاجين منك كلمتين بشكل ودي كده ومش عاوزين نبعت لك رسمي"، فسألته عادي ولا أجيب معايا محامي المركز فأكد لي أنه سوف يوجه إليَّ سؤالا والسلام، ولكنني فوجئت بتحقيق استمر لما يقرب من أربع ساعات وبرنتات إسكرين شوت لبوستات على فيسبوك، من بينها بوست يصف تصرفات معهد ناصر بأنها تصرفات تشكيلات عصابية وليس تصرفات دولة، فأكدت له أن اللفظ خانني ولم أقصد إهانة الدولة.
ماذا كانت التهم الموجهة إليكم؟
وجه لي اتهامات عديدة، من بينها "شتيمة" الدولة المصرية والاعتداء على مؤسساتها العامة والتحقير من شأنها وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد ونشر أخبار كاذبة، وتوجيه الصحفيين لتبني قضايا معينة تثير الفتنة، وهو ما جعلني أنكر كل هذه الاتهامات وأنكرت أنَّ هذه صفحتي الشخصية، وأنني ليس لي صفحة على الفيس وأكتفي فقط بصفحة المركز الرئيسية التي أنشر عليها الأخبار والتقارير الصحفية المتعلقة بالمركز.
بعد ذلك فوجئت بشكوى مقدمة ضدي من خفير يُدعى "نادي" أصيب في واقعة اغتيال النائب العام بتحريضى على معاداة الدولة، فأوضحت له تفاصيل ما دار بيني وبينه حول واقعة إصابته وحجزه داخل معهد ناصر، لأنَّه لم يسدد 22 ألف جنيه، فأخذوا بطاقة الرقم القومي الخاصة به ووقع لهم على إقرار بسداد المبلغ المطلوب، فاتصل بي وأوصلته بالإعلام لحل قضيته، هذا كل ما في الأمر، وطلبت منهم مواجهتي بالخفير نادي.
وماذا كانت نتيجة التحقيقات؟
في نهاية التحقيق نظرت له وقلت له بسخرية: إعدام، فصدر قرار النيابة بكفالة مالية قدرها 2000 جنيه، وهو مبلغ مبالغ فيه حول استدعاء عاجل غير رسمي بسؤال ودي دون تجهيز الدفاع والأوراق والمستندات التي تثبت صحة موقفي.
هل مثل هذه البلاغات بمثابة خنق للمراكز الحقوقية في مصر؟
هذا يمثل تضييقًا على المجتمع المدني والعاملين في مجال الصحة العامة وسط تردي الأوضاع العامة والحقوق الصحية، وهي حالة من حالات خنق الحريات والمراكز الحقوقية والقطاعات الحيوية الفعالة التي تخدم المواطن المصري للهروب عن المشاكل الرئيسية الخاصة بالدواء.
هل هذه هي المرة الأولى التي يحدث معك ذلك أم تكررت في عهد مبارك؟
هذه هي المرة الثالثة بعد تكرارها مرتين في عام 2009 والهجوم على المركز المصري في 2010 وسرقة الحاسبات الإلكترونية، ولكنها لم تصل إلى المحاضر والكفالات.
تقصد أنَّ ما يجري اليوم ضد المجتمع المدني لم يتكرر بهذه الصورة من قبل؟
حدث ولكن هذه المرة توجد درجة عنف وخشونة أشد من قبل الأجهزة الأمنية، قديمًا كانت تحدث اتصالات هاتفية لتحذيرك، ولكن أن تواجهني النيابة ببوستات فيسبوكية على السوشيال ميديا.
عودة لأزمة الدواء الرئيسية.. الزيادة الثانية تمَّ إقرارها؟
الاتفاق تمَّ الانتهاء منه على أن تكون الشريحة الأولى خاصة بـ4217 صنفًا دوائيًّا تشكل 15% من الأصناف المحلية وتمَّ إرجاء الأصناف المستوردة لفترات لاحقة بزيادة 30% لما يقرب من عشر شركات أدوية، ولكن المفاجأة أنَّ الأدوية المزمنة تدخل ضمن الزيادة الجديدة.
لكن وزارة الصحة سبق أن أعلنت أنها خارج الزيادة الثانية في "تسعيرة الأدوية"؟
كانت مجرد مسكنات وخطوة للتلاعب بالمواطنين وكسب مزيد من الوقت لتخفيف وقع الصدمة على المواطنين، لأنَّ هذه الأصناف الدوائية خاصة بالشركات متعددة الجنسية التي اعترضت بصورة كبيرة على قرار الوزارة، وبالتالي الحكومة "جابت ورا تاني"، وسيتم استثناء نحو 14 صنفًا دوائيًّا فقط من الزيادة الجديدة وسط تعهدات من الشركات بالإنتاج في أول مارس المقبل، واستدعى رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين بخصوص قوائم الأدوية التي شملتها الزيادة الثانية في ظل أن البيع والتوزيع سيكون بسعرين مختلفين.
كيف يتم البيع بسعرين للدواء في ظل وجود القرار الوزاري رقم 499 بالتسعير الجبري للأدوية؟
توجد بضاعة مخزنة بالصيدليات مطبوع عليها السعر القديم، وهناك أصناف دوائية أخرى سوف يتم طرحها بتشغيلات جديدة والاتفاق الجديد أن يتم بيع الأصناف الحالية وفقًا للتسعيرة القديمة دون زيادة، لأنَّه تمَّ إنتاجها قبل صدور القرار الوزاري والأدوية الجديدة فقط من تشملها الزيادة.
وهذا سبب انتفاضة الصيادلة ودعوتهم للإضراب الجزئي منتصف الشهر الجاري؟
بالضبط لأنَّه يؤثر على هامش الربح الخاص بهم، وبالتالي يدفع جموع الصيادلة لإجبار المواطنين على شراء الأصناف القديمة بواقع 50% إضافي للتشغيلات الجديدة للانتفاع من الزيادة الثانية في تسعيرة الدواء، الأزمة الأكبر التي لا يدركها أحد أنَّه في يوليو المقبل سوف يكون هناك زيادة ثالثة في أسعار الدواء لما يقرب من 85% من باقي الأصناف المحلية من إجمالي 13 ألفًا و700 صنف دوائي مسجلة رسميًا في مصر.
وما الإشكالية هنا؟
في مايو الماضي بعد زيادة أسعار الدواء رسميًا للمرة الأولى ما زالت هناك بضاعة مُخزنة مُسعرة بالأسعار القديمة لم يتم الانتهاء منها، وكذلك سوف تتكرر الأزمة في فبراير ويوليو المقبلين، وهذه سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ أي دولة بالعالم وعددها يزيد على 50% من الأصناف الدوائية، وهذه كميات كبيرة جدًا سوف تزيد أكثر من الأزمات بين المواطنين والصيادلة.
تقصد تلك الأدوية القديمة التي تدخل تحت بند المرتجعات أو الأدوية منتهية الصلاحية؟
بالضبط وهي أزمة كبرى في ظل وصولها لأكثر من 400 مليون جنيه، في ظل رفض معظم الشركات استلام هذه الأدوية ووضعها شروطا مجحفة للاستلام، على سبيل المثال العبوة تحتوي على شريطين يتم بيع أحدهما فترفض الشركة استلام شريط واحد فقط بالعبوة الدوائية، فضلًا عن شركات أخرى صغيرة "التول"، وهي شركات تصنيع الأدوية لدى الغير، وحتى تهرب من دائرة التهرب الضريبي تغلق مقراتها وتنشئ شركة أخرى جديدة "على الورق" للهروب من تسلم الـ"expire" .
ولكن يوجد قرار وزاري برقم 499 لسنة 2012 ينظم كل ذلك؟
لا توجد جهة رسمية في مصر قادرة على تنفيذ أو تفعيل مثل هذا القرار الوزاري للأسف نتيجة أنَّه يحتوي على بنود خبيثة تمثل أزمة كبرى لشركات الأدوية، أحدها تحريك أسعار الدواء كلما تغير سعر الصرف.
لماذا تمَّت الموافقة والتصديق الرسمي عليه في ذلك التوقيت؟
بسبب أنَّ هذا كان أحد توصيات حكومة الإخوان المسلمين في عهد وزير الصحة السابق الدكتور فؤاد النواوي.
كيف يتم تفعيل هذا القرار الوزاري في ظل طرح تعديلات حكومية عليه؟
القرار 499 تمَّ الطعن عليه وقدمت ضده العديد من البلاغات من قبل غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، في ظل رئاسة الراحل الدكتور مكرم مهنا رئيس الغرفة السابق ورئيس مجلس إدارة واحدة من أكبر شركات تصنيع الأدوية في مصر "جلوبال نابي" بعدم جواز تسعير المنتجات الدوائية، وتمَّ رفضها عبر القضاء المدني باعتباره قرارًا سياديًّا وضمن السلع المسعرة جبريًّا، ولكن للخروج من هذه الإشكالية كان ينبغي على الحكومة أن تضع شرطًا رئيسيًّا قبل زيادة أسعار الأصناف الدوائية، وهو أنَّه لن يتم التسعير لأي شركة لها أدوية منتهية الصلاحية في السوق المصري لتنظيف سمعة الدواء وتطهير السوق المحلي وشركاته من ناحية، وتخفيض الكميات المخزنة من الأدوية والمرتجعات داخل الصيدليات من ناحية أخرى.
هذا الربط لم يحدث خلال المفاوضات الأخيرة بين الوزارة والشركات؟
للأسف الشديد لم يحدث، نتيجة تجبر الشركات ونفوذها في إجبار وزارة الصحة بداية على تغيير الأسعار وتحديد الأصناف الدوائية اللازمة وعدم سحب المرتجعات، والأخطر من كل ذلك أنَّك تسير في طريق تحرير الأسعار وتنفيذ توصيات هيئة المعونة الأمريكية عام 1998 ضمن مقررات منظمة التجارة العالمية عام 2002 في الدوحة، التي أوصت أعضاءها بعدم إلزام شركات الأدوية بتسعيرة معينة بالمخالفة لحقوق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى توصيات البنك الدولي عام 2005 حينما طالبت بشكل صريح برفع الدعم عن الخدمات الصحية في مصر وتكرر خلال منح السلطات المصرية القرض الأخير من صندوق النقد الدولي.
وماذا يهدفون من وراء كل ذلك؟
إنَّ القطاع الخاص يمتلك أكثر من 60% من تقديم الخدمة الصحية في مصر لتحقيق أرباحهم على حساب حقوق المرضى أو بمعنى آخر "تسليع الصحة" في مصر وبيعها للمواطنين بالمخالفة للدستور ومواده.
كم يمتلك القطاع الخاص في سوق الدواء المصري؟
أكثر من 60 % من إجمالي 22 شركة أدوية أجنبية تمتلك نحو 18 مكتبًا علميًّا وباقي الشركات تنقسم ما بين شركات خاصة تساهم بنسبة 35% لأكثر من 62 شركة تمتلك مصانع أدوية، بالإضافة إلى 1200 شركة أدوية صغيرة "التول" وصولًا إلى مصانع وشركات قطاع الأعمال التي تبلغ مساهماتها أقل من 5% وقفز سوق الدواء في مصر خلال العام الجاري لما يقرب من 46 مليار جنيه بزيادة 11 مليارًا على العام الماضي بمعدل نمو 14% لم تكن تتخطى 12% خلال العام الماضي، وهذا يثبت نظرية علمية قائمة تقول إنَّه كلما زادت الأزمات الاقتصادية في البلاد لجأت الشعوب العربية لاستخدام أدوية أكثر، وحينما حدث ذلك في دول شرق أسيا اكتشفوا أنَّ شركات الأدوية الوحيدة التي أحدثت نسبة نمو هائلة تجاوزت 29%.
لماذا لا يتم اللجوء إلى شركات قطاع الأعمال وإعادة هيكلتها للنهوض بصناعة الدواء في مصر؟
لأنهم يتصورون أن هذا يعد رجوعًا لساسات المجتمعات الاشتراكية والشمولية، رغم أن هذا النظام قائم ومتبع في العديد من الدول الأوروبية، المفاجأة هنا أن الشركة المصرية لتجارة الأدوية التي توزع حوالي 40% من حجم الأدوية المتداولة في مصر سواء كانت محلية أو أجنبية، وهي الشركة الوحيدة التي لها توكيلات لفروع شركات أدوية عالمية بالقاهرة لاستيراد وتوزيع أدوية الأنسولين والأورام داخل مصر تقوم بالسحب على المكشوف من البنوك المصرية لأكثر من 3 مليارات جنيه، وهذا يعني أنهم يتاجرون في الخسارة، لشراء أدوية لا يوجد عائد اقتصادي لها، رغم أن عليها مديونيات للحكومة المصرية بنحو مليار و300 مليون جنيه.
والحل من وجهة نظرك؟
بداية لا بد من تقليل فاتورة الاستيراد الباهظة التي تتجاوز 2 مليار و610 ملايين دولار سنويًا ما بين مواد فعالة وأدوية كاملة التصنيع، بإجمالي 260 مليون جنيه شهريًا، ولو تم تطوير شركات قطاع الأعمال بحسب دراسات المعهد القومي للتخطيط ووصول معدلات إنتاجها من 5 إلى 3% سوف توفر مصر ما يقرب من 25% من المبالغ الباهظة المخصصة للاستيراد.
ننتقل إلى أزمة أخرى متوقعة بزيادة اسعار ألبان الأطفال في ظل تحرير سعر صرف الدولار؟
مصر لديها نحو مليون و0.6 مولود سنويًا من بينهم (18 - 22%) أطفال يستحقون ألبانا صناعية بحكم سوق العمل وخارطة أمراض السيدات بمعدلات تتراوح ما بين 250 إلى 380 ألف طفل سنويا، ومن ثم تحتاج أن تستورد ما يقل عن 35 مليون عبوة لتوزيع متوسط 4 عبوات يوميًا على الأطفال، ولكن ما حدث أن الحكومة المصرية عبر وزارة الصحة خصصت في 2015 نحو 633 مليون جنيه لشراء 25 مليون عبوة ألبان مدعمة للأطفال تراجعت في 2016 حتى وصلت إلى 530 مليونًا لشراء 18 مليون عبوة، وبالتالي تم تخفيض الدعم من الموازنة العامة بالدولة بأكثر من 100 مليون جنيه، في ظل زيادة أعداد المواليد مما تسبب في أزمة كبيرة، ولمواجهة كل ذلك لا بد من تخصيص ما يقرب من 850 مليون جنيه لاستيراد 35 مليون عبوة.
هنا يضطر المواطن للجوء للقطاع الخاص لسد العجز الجاري، ومن ثم يتحكم في تسعيرة الألبان الصناعية شركات قطاع خاص لا علاقة لها بالأدوية عقب قرار تعويم الجنيه، ووصول سعر الدولار إلى ما يقرب 20 جنيها، وتحت وطأة ذلك رفعت إدارة الخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة السعر الذي كان يباع بـ30 جنيها إلى ما يقرب من 45 جنيها.
لماذا لا يتم إقرار قانون التأمين الصحي الشامل ويتم تأجيله كل هذه السنوات؟
يبدو أن هذا القانون "وشه فقر" حيث تم إجراء تعديلات عديدة عليه، وكانت تجري بالمصادفة اليوم الأحد جلسة داخل البرلمان لنظر الصيغة النهائية للقانون الذي تم تغيير المسودة الخاصة به لأكثر من 14 مرة في 17 عاما، وما زالت الحكومة تتهرب من القانون.
ما سر تهرب الحكومة من تنفيذه؟
القانون الحالي يُلزم الحكومة المصرية بتخصيص نحو 120 مليار جنيه سنويًا للإنفاق على العلاج في مصر، خاصة أن التأمين الصحي هيئة مستقلة غير تابعة لوزارة الصحة، في ظل أنها لا توفر إلا ما يقرب من 85 مليار جنيه من المبلغ المطلوب في المرحلة الأولى بالمحافظات الحدودية الأقل من حيث الكثافة، لإعادة هيكلة تلك المستشفيات التابعة للتأمين الصحي، وبالتالي تضطر الحكومة للجوء إلى القطاع الخاص لتطويرها وتقديم الخدمة الطبية كما يحدث مع مستشفيات التكامل الصحي.
ماذا قدم المركز المصري للحق في الدواء لتنفيذ ذلك؟
طرحنا على الحكومة تحقيق ذلك الفارق عبر فرض ضرائب على المصانع والشركات الضارة والملوثة بالبيئة، والتي تتسبب في إصابة المواطنين بالأمراض الصدرية كالسيراميك والحديد والصلب والأسمنت والبتروكيماويات وغيرها، ولكن لم يتم الأخذ بكل ذلك، رغم أن هذه المقترحات يتم تطبيقها عبر التأمين الصحي في فرنسا والبرتغال وهولندا الذي يتم تحصيله من الملاهي والأكلات الضارة الخاصة بالأطفال التي تحتوي على صبغات وألوان صناعية نتيجة احتمالية تعرضهم لأمراض بسببها، رغم أن اشتراكات الفرد المصر من أعلى اشتراكات التأمين في العالم (2% للزوج، 2% للزوجة و0.5% لكل طفل)، قابلة للوصول إلى 8%، وبالتالي لا بد من إعادة هيكلة تلك المستشفيات لقطع الطريق على دخول القطاع الخاص ومن ثم خصخصة الصحة في مصر.
التأمين الصحي يقضي على 30% من مشاكل الصحة في مصر، فضلا عن علاج المواطنين أمام هيئة طبية واحدة، وهو يعد آخر أمل للمصريين لركوب قطار الرعاية الصحية الجيدة وإذا فاتهم ضاعوا جميعا.
عودة إلى أزمة الدواء.. كم وصلت أعداد قوائم النواقص في الوقت الحالي؟
أكثر من 2000 صنف من بينها 165 صنفا دوائيا بدون بدائل أو مثائل، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ الدواء المصري، لم يكن عددها يتخطى 85 صنفًا خلال عام 2009، وهو ما تسبب في وقوع حالات وفاة عديدة خلال الشهور الماضية.
ما آليات الخروج من تلك الأزمة المتصاعدة؟
بداية لا بد من سرعة إقرار قانون التأمين الصحي، مرورا بوجود أب شرعي للدواء في مصر عبر الهيئة العليا للدواء التي تضع التسعيرات الخاصة بالدواء وفقا لأسس وضوابط عليمة واضحة، وصولا إلى إحداث توازن في السوق المحلي بين العرض والطلب، من خلال دعم شركات ومصانع قطاع الأعمال الحكومية الذي يمتلك رسالة اقتصادية ذات بعد اجتماعي لدعم الدواء في مصر وعودة السيادة للصناعة المصرية.
المصدر أخبار | التحرير الإخبـاري
ليست هناك تعليقات